عادي

قلق التجربة الأولى

23:48 مساء
قراءة 5 دقائق

القاهرة: وهيب الخطيب

الكتابة عموماً عملية ممتعة، وقد يمارسها ملايين الناس، بيّد أن التحول من ممارسة هواية فردية إلى عملية احترافية، يتطلب الكثير من الجهد، وخوض غمار التحديات، أبرزها العثور على جهة ناشرة، المسألة لا تبدو بهده البساطة، إنما أشبه بمن يخوض «معركة صغيرة»، النصر ليس فيها مضموناً.

بمجرد أن يقرر الفرد أن يدفع بكتاباته إلى النشر هناك مخاوف وقلق يحيطان به، بدءاً من السؤال الاعتيادي «هل عملي يصلح للنشر؟»، ومن بعدها تتوالد الأسئلة، وربما يستشعر الكاتب في تجربته الأولى للنشر، أنه إزاء المجهول، ولا يعرف أي الطرق يسلك: النشر التقليدي أم الذاتي؟

الأسئلة مخيفة، وتخص الكثير من الخطوات التي يمر بها المؤلف الشاب، بسبب أنه لا يعرف حقوقه أو واجباته، أضف إلى ذلك التكاليف الإضافية الخفية التي تفرضها بعض دور النشر، والجري وراء الحصول على نسبة المبيعات، واحتمال الاضطرار إلى الالتزام بطلب أعداد كبيرة من الكتب أو الالتزام بحزمة نشر تتسبب في ضائقة مالية.

القلق الأكبر الذي ينتاب المبدعين في مطلع الطريق هو الخوف من الحصول على تقييمات سيئة أو ردود فعل سلبية، من قبل الناشرين على مخطوطاتهم، ما يدفع إلى عدم قبول نشر الكتاب، وهي ضربة تلقاها عشرات من المؤلفين العرب والغربيين، قبل أن تصبح أسماؤهم في غاية الشهرة، مثل إرنست هيمنجواي مع روايته «ولا تزال الشمس تشرق»، وجورج أورويل مع رواية «مزرعة الحيوانات» التي رفضت 4 مرات على الأقل قبل طبعها في أغسطس/ آب 1945، ناهيك عن تجارب رفض مارسيل بروست وستيفن كينج وسيلفيا بلاث التي رفض مخطوطها مرتين الأولى باسم مستعار والثانية باسمها الحقيقي.

إلى جانب المسببات المادية، فإن قلق انتظار رد الناشرين يمكن أن يعد «هماً مستقلاً»، وهي شكوى لا تخص الكُتّاب والمؤلفين العرب وحدهم، إنما يشكو منها أيضاً المؤلفون الأجانب وفي سياقات تبدو أكثر تنظيماً، وبما أن هذه الفترة من المحتمل أن تكون طويلة، ومن المحتمل أن تصل إلى شهور، تقدم الأمريكية صبرين سوان النصيحة «الطريقة الصحيحة لتمضية الوقت أثناء انتظار رد الناشرين والإجابة عن الاستفسارات هي كتابة كتاب آخر».

صناعة قديمة

تحت عنوان «مشاكل النشر.. قصص الخبراء»، تشرح سوان أن العقد الأول من القرن ال 21 شهد تغييرات هائلة، وعانى ناشرو الكتب تقليصاً عظيماً في حجم تجارتهم بعد الأزمة المالية 2008 وظهور الكتب الإلكترونية.

ولا شك في ذلك - فقد تطورت بعض أجزاء صناعة النشر بما يتجاوز الممارسات التقليدية، لكن بالنسبة للجزء الأكبر، لا تزال استراتيجيات «هذا ما وجدنا عليه آباءنا» تحكم دورة سير العمل إلى اليوم.

قد يكون النشر صناعة قديمة وليس سراً أنها لا تزال تعتمد على نحو كبير على مهام عفا عليها الزمن، ومع ذلك يمكن أن تلحق بالتكنولوجيا، تحديثات الحالة اليدوية والإصدارات التي لا حصر لها من المستندات نفسها، تضيع الكثير من الوقت وتستهلك الموارد التي يمكن أن تنفق على نحو أفضل في البحث عن مواهب رائعة.

ودع مشاكلك

مع المنصات الحديثة، دعك من كل هذه الهموم والتحديات، ارمِ الصعاب خلفك، الأمور في عصر التكنولوجيا الفائقة مختلفة حقاً، مثلاً مع منصة كيندل للنشر المباشر «KDP» كل ما تحتاج إليه هو ملف Word وغلاف كتاب وأنت على وشك أن تصبح مؤلفاً، في غضون 5 دقائق، يمكنك تحميل كتابك وتجهيزه للبيع في أقل من 24 ساعة، من دون أن يكلفك شيئا.

الخبير الأمريكي في مجال المشروعات الناشئة وأعمال الديجتال مايك هارمان، يحذر أن الأمر ليس بهذه البساطة، فتسويق الكتب لصناعة النشر عملية معقدة، تتطلب خطة مناسبة، لكن النشر الذاتي لا يكفي لجلب الجمهور، والكثير من المؤلفين الذين مروا بالتجربة واجهوا مشكلات جمة وهو يرى أنه يمكن تلافيها من خلال 7 خطوات: العثور على الجمهور المناسب، وغلاف جذاب، وتدقيق المحتوى، والتنسيق الجيد، والوصف الدقيق، واستعمال الكلمات المفتاحية، وأخيراً الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي في الترويج.

باتت الأبواب مفتوحة، والطرق معبدة شكلاً أمام الكتّاب الجدد، والطامحين في دخول تجربة النشر، فمع صعوبة النشر التقليدي يتمظهر النشر الذاتي «كحل متاح»، لكن من غير المرجح أن ينجح أي مؤلف إذا اتبع هذا الطريق دون أن يكون لديه كتاب جيد، فضلاً عن ضرورة تخصيص الوقت، لتعلم مهارات التسويق والترويج الذاتي.

اربح 50 ألف دولار

مع النشر الذاتي يمكن أيضاً أن تربح من كتاباتك، والنجاة من دفع مقابل للنشر أو من الركض وراء بعض دور النشر، للحصول على المستحقات، فضلاً عن اتساع رقعة القرّاء وسهولة الوصول إليهم في أي مكان في العالم، هنا تعلق الروائية الأمريكية لويز لينوكس، واحدة من أشهر المؤلفين على منصة كيندل، «ساعدتني المنصة على صدور رواياتي ذاتياً وأن أصل إلى قاعدة جماهيرية كبيرة من القرّاء، وحققت من خلال الكتب عائداً، مؤكد سأكافئ عائلتي برحلة إلى إيطاليا».

من جهتها، أوضحت شركة أمازون المالكة للمنصة، ارتفاع عدد المؤلفين الذين يربحون 50 ألف دولار أو أكثر من عائدات المنصة بنسبة 40% خلال عامين، من مارس 2020 حتى مارس 2022. لكن «نيويورك تايمز» أكدت أنه في ظل الصعود الهائل لتجارة الكتاب الإلكتروني، فإن الكتاب الورقي ما يزال قادراً على المنافسة خاصة في مجال الربح، ففي 2021، اشترى القرّاء ما يقرب من 827 مليون كتاب مطبوع، بزيادة قدرها 10% تقريباً على عام 2020، وهو رقم قياسي رصدته شبكة NPD BookScan لتتبع مبيعات الكتب في أمريكا.

وتستدرك الصحيفة الأمريكية أن الأمور ليست وردية، فأغلب هذه المبيعات يحققها الكتاب الراسخون والأكثر شهرة، ومن الصعب بيع كتب لمؤلفين جدد أو أقل شهرة. باستثناء بعض الطفرات، ويفشل معظم الكتّاب في العثور على جمهور إضافي، فمن بين 3.2 مليون عنوان تتبعها BookScan في 2021، تم بيع 1% منها فقط، أكثر من 5 آلاف نسخة.

تجربة في الاتجاهين

الأمريكي روبرت مكاو مؤلف «النار والانتقام، وخارج الشبكة»، مرّ بتجربة إصدار مؤلفاته في الاتجاهين، النشر التقليدي والذاتي، منذ روايته الأولى، التي بحث لها عن وكلاء وناشرين مهتمين بأدب المغامرات والألغاز والرسائل، فجنى الكثير من الرفض؛ إذ يميل الناشرون إلى تفضيل المؤلفين الذين أثبتوا نجاحهم وقلة من المبتدئين إن وجدوا، بالتالي التعامل معهم محبط وقد يستغرق الرد عدة أشهر.

بعد سلسلة من الرفض، قرر نشر روايته «ذاتياً»، فراجع خدمات نشر عدّة، واستقر في النهاية على Mill City Publishing، منصة تشبه كيندل لكنها مكلفة بعض الشيء، يتوقف مكاو هنا لينبه المؤلفين أن الجزء الأكبر من التسويق سيقع على عاتقهم، فضلاً عن الجري وراء كتاب المراجعات، والتسويق عبر البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، والاستفادة من دوائر الأصدقاء والجيران، «فكن حذراً القليل من الكتّاب فقط يعرفون كيف يربحون».

ومع وجود أيّ ملاحظات على تجربة نشر رواية مكاو، فإنه يعدها ناجحة بسبب التحرير المحكم والإنتاج الاحترافي والمراجعات القوية على أمازون، ويؤكد أن العمل مع ناشر «لعبة مختلفة»، فالدار تحملت التكاليف إضافة إلى منحه مبلغاً مقدماً، والمساعدة في تسويق الكتاب والعثور على المراجعين، وتقديمه إلى المؤلفين الآخرين الذين قرأوا بسخاء وقدموا «دعاية مغالى فيها»، قبل أن يستدرك مرة أخرى «الجزء الأكبر من جهود المبيعات يقع على عاتقي كمؤلف».

معضلة

الكاتبة الهندية الشابة تيجاسويني باجادالا، مؤلفة السيرة السياسية للزعيم الهندي نارا تشاندرابابو نايدو، كانت محظوظة بمجرد الانتهاء من تأليف الكتاب عثرت على الناشر فوراً، لكن المعضلة كانت في تسويق الكتاب وكيف يثق الناس في مؤلفة لا تزال في مقتبل العمر.

وتروي أن مسألة السنّ كانت الحاجز في ثقة الكثيرين في الكتاب، لتصبح أصغر كتاب السير السياسية في الهند.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"