وليد سيف.. شاعر الوشم واليمام

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

الشاعر والكاتب الدرامي د. وليد سيف يحتفي به معرض عمّان الدولي للكتاب، وهي مبادرة محترمة نبيلة في مكانها وفي رمزياتها الثقافية والأدبية لرجل يشكّل وحده ظاهرة مكتملة في الكتابة «الصعبة» للدراما التلفزيونية، الكتابة التي أخذته من الشعر إلى فضاء حواري، تاريخي، روائي، ولن أقول كما قد يتبادر إلى البعض قولهم إن الدراما على يد وليد سيف ربحت، وخسر الشعر، بل على قلّة ما كتب صاحب «المشهد والمشهود» من شعر، فالقصيدة هي الرابحة، وعلى كثرة ما كتب في الدراما، فهي الفن البصري المرئي الأكثر ربحاً وغنىً ونبلاً أدبياً، وهي القيم المعنوية الأغلى من الربح المادي.
كتب وليد سيف ثلاث مجموعات شعرية: قصائد في زمن الفتح 1967، وشم على ذراع خضرة 1971، تغريبة بني فلسطين 1979، وجميعها صدرت في بيروت عن داري نشر مرموقتين في العاصمة الحرفية تماماً في صناعة الثقافة والجماليات الرفيعة في ستينات وسبعينات القرن العشرين، وعلى الرغم من هذا المنجز الشعري المحدود لشاعر لا حدود أصلاً لشعريته المتدفقة، لكن المحاطة بمزاج شاعر يذهب دائماً إلى ما هو مُصَفّى تماماً في الشعر، إلاّ أن هذه «الثلاثية الشعرية» ماثلة منذ عام 1967 وحتى اليوم في الذاكرة الشعرية العربية، كأن القصائد، والوشم، والتغريبة هي رواية واحدة على شكل دائرة مركزها شاعر - لم يقل كل ما عنده، بل، قال بعضاً ممّا في كرومه وينابيعه وسواقيه، ليؤجّل ما لم يكتبه إلى الصمت أو إلى العزلة، - فيحوّل الشعر إلى شكل من أشكال «التصوّف»، والاقتراب من روح الأشياء والكائنات من دون حاجة إلى اللغة أو إلى الكلمات.
يقنعك وليد سيف أنه قال شعرياً ما كان عليه أو كان يتوجب عليه قوله، وتدوينه، بوصف الشعر عند وثيقة - جمالية، غنائية تُسْتعاد بطهرانية صافية في حالات الإنسان الأكثر صفاءً.
عرفت «وشم على ذراع خضرة» حين كنت في الثانوية العامّة في مدرسة حسن البرقاوي في الأشرفية في عمّان، وأحببت شاعراً يُحْيي في الشعر اسماً شعبياً متداولاً على لسانيات حزمة من النساء... إنها «خضرة» الاسم الريفيّ أو الاسم البداوي أو البدوي، ثم الوشم الذي عرفه ذلك الولد البدوي على وجوه نائسة الآن في الحنين:
لخولةَ أطلالٌ ببرقةِ ثهمد
تلوحُ كباقي الوشم في ظاهر اليدِ
كل هذه التداعيات، كانت تحيط بي حين قرأت وليد سيف للمرة الأولى في حياتي، وبقي هذا الرجل الذي «شَعْرَنَ» الكتابة الدرامية، ولم تكن عنده بديلاً للشعر أبداً ذا منزع صوفي معتدل. 
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"