حروب الاستعادة

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

بدأت روسيا الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي بسبب ما قالت إنها اعتداءات النازيين الجدد الأوكرانيين على سكان مناطق شرق أوكرانيا ذوي الأصول الروسية. وتداعت مواقف الغرب في دعمها لكييف وفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا، على اعتبار أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يريد استعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي السابق، حيث كانت أوكرانيا خاضعة لسلطة موسكو. وبما أن الضحية الأولى في أي حرب هي الحقيقة، فلا يمكن أن يؤخذ كلام الروس، أو الأمريكيين وحلفائهم الغربيين، على عواهنه.

فالرئيس الأمريكي جو بايدن، وقبل انتخابه في عام 2020 عرض بالتفصيل استراتيجية إدارته الديمقراطية للسياسة الخارجية، وفي القلب منها وقف صعود الصين وروسيا. على أن يكون ذلك الصراع أساساً لتشكيل تحالف غربي واسع تقوده واشنطن.

 ومن الصعب أيضاً تصور أن القيادة الروسية من السذاجة لأن تقع في فخ أمريكي/غربي يستهدف وقف تطور بلادها. إنما وجدت أن «الاستكانة» ستعني أن ينفذ الأمريكيون والغرب غرضهم بإضعاف روسيا، وفي الوقت نفسه زيادة التهديد على حدودها لردعها. كل تلك المبررات والحسابات لا تلغي حقيقة أن موسكو تجد في استعادة – على الأقل – شرق أوكرانيا رسالة ضرورية بأنها لا تتنازل في تحدي علاقتها بالغرب.

حرب أوكرانيا هي، إذاً، بالإجمال حرب استعادة: استعادة أجزاء من أوكرانيا وضمها إلى روسيا كما حدث مع شبه جزيرة القرم في 2014، واستعادة روسيا دوراً فقدته بانهيار الاتحاد السوفييتي، أو على الأقل ضمان علاقة ندّية مع الغرب إن لم تتمكن من استعادة نفوذ إقليمي في أوروبا، واستعادة أمريكا مكانتها في قيادة الغرب وربما العالم.. إلى آخره.

حرب الاستعادة في أوكرانيا جددت عزم الصين على استعادة شبه جزيرة تايوان إلى «الوطن الأم». ولا شك في أن الصين منذ البداية ترى في تطورات حرب أوكرانيا استهدافاً غير مباشر لها. بل إن أمريكا وحلفاءها ربما يريدون إطالة أمد الحرب لاختبار مدى تأثير العقوبات في روسيا، ليس لخنق موسكو فقط، بل أيضاً لتقدير ما سيكون عليهم فعله مع الصين فيما بعد.

تفكير الصين في استعادة تايوان لم يتوقف أبداً. 

ومن المهم هنا الإشارة إلى أن الاقتصاد الصيني الذي أصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، يهدد مكانة أمريكا كصاحبة أكبر اقتصاد في العالم. وإذا استمر في النمو بمعدلات أكبر من الاقتصاد الأمريكي والأوروبي فسيزيح الولايات المتحدة من على عرش الاقتصاد الأكبر، ما ينال من مكانتها كقوة عظمى وحيدة. وفي المواجهة مع الصين حرب استباقية أمريكية/أوروبية لمنعها من تجاوزهم اقتصادياً، أي أنها «استعادة استباقية»، إذا جاز التعبير. 

ويبدو أن حروب الاستعادة تلك،  شجعت آخرين على القيام بالمثل. فالتوتر الحالي على الحدود بين صربيا وكوسوفو ينذر بحرب تستعيد فيها صربيا كوسوفو الذي ترى بلجراد أن الغرب فرض استقطاعه منها في الحرب التي شنها حلف شمال الأطلسي (الناتو) في نهاية القرن الماضي. 

ليست حروب الاستعادة بجديدة، بل هي موجودة على مرّ التاريخ. ومع زيادة أعداد البشر وتعقد تكويناتهم على سطح كوكب الأرض تتكرر محاولات الدول والكيانات لاستعادة ما تراه حقاً سُلب منها في حرب هزمت فيها، أو في تسويات كانت فيها الطرف الأضعف وقدمت تنازلات. 

ومع أن الأطراف الدولية والإقليمية كانت حاضرة، بشكل أو بآخر، في حروب الاستعادة السابقة تلك، إلا أنها لم تصل من الحدة إلى مستوى يهدد بحرب عالمية. لكن حروب الاستعادة الحالية التي يزداد فيها الاستقطاب حدة كل يوم بين أمريكا والغرب من ناحية، وقوى صاعدة في العالم من ناحية أخرى، قد تؤدي إلى صراع شامل يغيّر شكل الحياة على الأرض، ويمثل تحدياً للبشرية كلها في أن تستعيد قدرتها على الحياة فوق الكوكب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"