عادي

تونس.. ماذا بعد إقرار الدستور؟

23:09 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد عزالعرب *

بعد الموافقة الشعبية على إقرار الدستور، وعدم قبول المحكمة الإدارية أية طعون على نتائج الاستفتاء التي أعلنتها الهيئة العليا للانتخابات، ونجاح الرئيس قيس سعيّد في تجاوز اختبار ثقة الشعب في مسار الإصلاحات، تدخل تونس مرحلة جديدة من تاريخها.

تكشف نسبة المشاركة في الاستفتاء عن زيادة أعداد المشاركين مقارنة بأعداد المشاركين في الاستشارة الإلكترونية، بما يدشن جمهورية جديدة، التي تكون فيها – حسب تعبير الرئيس سعيّد- السيادة للشعب، وستشكل انتصاراً لمبادئ الثورة التي اختطفتها حركة النهضة، ووقفة لمحاسبة الفاسدين الذين كانوا مصدراً للقوة في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي وفي ظل حقبة نفوذ حركة النهضة بعد ثورة الياسمين.

تحركات مركزية

إن المرحلة المقبلة من تفاعلات عام 2022 في تونس ستشهد عدداً من التحركات المركزية من قبل الرئيس قيس سعيّد وحكومته، على النحو التالي:

1- تعديل قانون الانتخابات الدورية: عقب الإعلان عن نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد، أكد الرئيس قيس سعيد أن أول إجراء سيتم في مرحلة ما بعد تمرير الدستور، هو تعديل قانون الانتخابات الحالي، وذلك من خلال وضع قانون انتخابي جديد يعبر عن إرادة الناخبين، ومن المقرر أن يتم وضع القانون الانتخابي الجديد وفقاً لمخرجات الاستشارة الإلكترونية التي سيعتمد عليها الرئيس سعيد في هذا الخصوص، حيث جاءت نتائج الاستشارة الإلكترونية بتصويت 70.7% من التونسيين على اختيار نظام الاقتراع على الأفراد وليس على القوائم الانتخابية، بينما قام 60.8% منهم بالتصويت على تعديل القانون الانتخابي الحالي، فيما أيد 92.2% فكرة سحب «الوكالة» من النواب في حال أخلّوا بوعودهم الانتخابية.

2- الإعداد لإجراء الانتخابات البرلمانية: من المقرر أن تشهد الأشهر الأربعة القادمة اتجاه الحكومة التونسية نحو الاستعداد لإجراء الانتخابات البرلمانية المقررة في 17 ديسمبر 2022، وفي ظل قصر الفترة الزمنية قبل إجراء هذه الانتخابات، فإن البلاد سوف تشهد حالة من السباق مع الوقت لإنجاز عملية صياغة قانون انتخابي جديد وفقاً لمخرجات الاستشارة الإلكترونية، وكذلك فتح الباب أمام تسجيل الناخبين وإعداد المقار واللجان الانتخابية وفتح الباب أمام المرشحين الراغبين في المشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي لتشكيل برلمان جديد.

3- رفض التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية: تبنت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة موقفاً تدخلياً في الشأن التونسي بعد الموافقة على الاستفتاء التونسي، حيث قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إنه يدعم «بقوة التطلعات الديمقراطية للشعب التونسي»، مؤكداً أن «عملية إصلاح شاملة وشفافة ضرورية لاستعادة ثقة ملايين التونسيين، سواء كانوا ممن لم يشاركوا في الاستفتاء أو من الذي عارضوا الدستور». كما أعرب جوي هود الذي اختير سفيراً في تونس ولم يتم تعيينه رسمياً بعد، عن أسفه أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي حيال «تآكل مقلق للمعايير الديمقراطية والحريات الأساسية» في تونس، قائلاً إن «أفعال الرئيس قيس سعيّد خلال العام الماضي لتعليق الحكم الديمقراطي وتعزيز السلطة التنفيذية قد أثارت تساؤلات جدية».

وقد صدرت تصريحات متعددة معارضة لهذا التدخل؛ إذ صدر بيان عن الخارجية التونسية تم الاحتجاج فيه على «التصريحات غير المقبولة الصادرة عن مسؤولين أمريكيين»، علاوة على استدعاء القائمة بأعمال السفارة، ونقل البيان عن وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي اعتباره للموقف الأمريكي بأنه «تدخل غير مقبول» في الشأن الداخلي الوطني لتونس، وقال الوزير إن بلاده تمر بمرحلة «مفصلية من تاريخها، وهي تتطلع إلى دعم ومساندة جميع شركائها إن كانوا فعلاً حريصين على إنجاح التجربة الديمقراطية التونسية بدلاً من التشكيك فيها ومنح الفرصة للمتربصين بها لإفشالها».

تدخل غير مقبول

كما دان الاتحاد العام التونسي للشغل «التصريحات المتكرّرة للمسؤولين الأجانب عن الوضع في تونس»، معبراً عن رفضه المطلق للتدخّل في الشؤون الداخلية للبلاد، كما أشار الاتحاد إلى أن بلينكن والسفير الأمريكي المرتقب لتونس «جسّما التدخّل السافر في الشأن الداخلي واستبطنا عقليّة استعمارية مكشوفة»، مطالباً السلطات ب«تعليق اعتماد السفير الجديد». وفي 30 يوليو الماضي، اعتبرت 13 جمعية ومنظمة تونسية أن البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية وخطاب المرشح لمنصب سفير أمريكا بالبلاد، يمثلان «تدخلاً صارخاً في الشأن الوطني الداخلي التونسي، وتعدياً على السيادة الوطنية، وعلى حق المواطنين في مقاومة مشروع الرئيس قيس سعيد».

4- الاهتمام بتحسين الوضع الاقتصادي والمالي: تتطلب الفترة المقبلة الحرص الحكومي على معالجة المشكلات الاقتصادية الهيكلية التي لا تزال تعانيها تونس، وبصفة خاصة تدهور المالية العامة وارتفاع نسبة البطالة والتضخم وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، وهو ما يتطلب الرهان على حلول جديدة بدون التعويل على مساعدات خارجية فقط، لاسيما أن مطالب المؤسسات الدولية تقود إلى إجراءات غير شعبية.

استعادة الدولة

خلاصة القول، تأخذ تونس في عهد الرئيس قيس سعيّد بالنظام الرئاسي بدلاً من «الرئاسي البرلماني» حيث ينص الدستور الجديد، على أن يتولى الرئيس السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يعيّنه ويمكن أن يقيله، ويمارس صلاحيات ضبط السياسة العامة للدولة ويحدد اختياراتها الأساسية، في المقابل يعطي للبرلمان دوراً أقلّ، خلافاً لدستور 2014، وهو ما يشير إلى تجاوز مرحلة ما بعد ثورة 2011، واستعادة نفوذ مؤسسات الدولة الصلبة مرة أخرى، الأمر الذي يوضح أن تونس ليست استثناء في مسار الربيع العربي بل تسير في اتجاه دائرة الدول العربية التي أسقطت تيارات الإسلام السياسي وفي القلب منها «الإخوان»، على نحو ما جرى في مصر والسودان، وتظل المرحلة المقبلة كاشفة عن مدى قدرة الدولة التونسية على تجاوز الاضطراب السياسي والتراجع الاقتصادي الذي شهدته على مدى يتجاوز العقد من الزمن.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية في مركز الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"