ريادية الأعمال وتعاظم مكانة الهند

22:28 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي *

تتفق كافة الدراسات على أنه لو أرادت بقية دول العالم أن تنقذ نفسها من التخلف عن ركب الدول المتقدمة تكنولوجياً، عليها أن تجد السبل للحصول على أكثر ما تستطيع من حقوق الملكية الفكرية لبراءات الاختراع في العالم. ولتحقيق ذلك هناك سبل عدة منها: استيراد المنتجات التي تجسد قمة التكنولوجيا الأجنبية، أو اجتذاب الاستثمارات الأجنبية من الخارج، أو إرسال مواطنيها إلى الخارج للتدريب على أمل العودة بما تعلموا.

تستلفت التجربة الهندية في مجال التقدم التكنولوجي الاهتمام الأكاديمي والنقاشات في الولايات المتحدة والغرب عموماً في اتجاه تقديم توصيات لدعم الهند باعتباره بلداً كبيراً ولا يشارك في قيادة الاقتصاد العالمي، ودون أن تكون الهند ذلك العملاق القائم على مزيج النمو السريع والديمقراطية، القريب من الغرب، (والمغاير للنظام الصيني) علاوة على عديد الأسباب لعل من أهمها:

أولاً، خلاف معظم الدول الآسيوية التي اعتمدت في نجاحها – إضافة إلى استراتيجية النمو المعتمد على التصدير - على نسبة مرتفعة من قيادة الدولة، فإن الهند استثناء من تلك القاعدة، فقد اشتهرت الحكومة الهندية بسعيها لإدارة الاقتصاد على المستوى الجزئي باستثناء مجالي تطوير البرمجيات ومراكز الاتصال، واللذين لم تقربهما الحكومة – في ظل استخدام رياديي الأعمال وتكنولوجيات اتصالات العالم الأول، واعتمادهم على المهارات المحلية عالية التدريب، ليصبحوا بذلك رواد العالم في تصدير الخدمات مع استفادة بقية قطاعات الهند بعد ذلك. وأوضحت دراسة مهمة جداً للبنك الدولي، أن التجربة الهندية تقدم برهان قوي تدعم استنتاج البنك بأن قيادة الدولة للاقتصاد ليست الطلقة الفضية لتسريع النمو الاقتصادي كما يعتقد بعض أنصار هذا الرأي، فعلى العكس تنمو الاقتصادات بسبب أن الأفراد والشركات التي يكونونها هما المحركات التي تحول العمل، ورأس المال، والتكنولوجيا، إلى منتجات وخدمات، يريدها المستهلكون داخل البلد وخارجه. والشركات كذلك لا تظهر من الفراغ فقد أنشأها وغزاها رياديو الأعمال الذين يضطلعون عادة بمجازفات غير متصورة.

ثانيا، كما قامت الهند بتطبيق الاستراتيجية الثالثة، بالسماح لمواطنيها؛ بل وتشجيعهم على السفر إلى بلدان الاقتصادات المتقدمة، لكن المغتربين الهنود تميزوا بأن العديد منهم بقوا في الخارج؛ حيث أسسوا شركات تكنولوجيا عالية أو عملوا فيها، فعلى سبيل المثال بين أعوام 1980 و2000 بلغت نسبة الشركات الجديدة التي أسسها المهاجرون الهنود والصينيون 30% من تلك الشركات في ولاية كاليفورنيا وحدها.

ثالثاً، أن بعض رياديي الأعمال في الهند قد انتقلوا في السنوات الأخيرة إلى ما هو أبعد من مجرد تكرار إنتاج سلع وخدمات تم تطويرها في الخارج، فهم يقومون الآن بتصميم عملياتهم وابتكاراتهم الإنتاجية الخاصة بهم الموجهة إلى الأسواق في البلدان الأغنى، ونتيجة ملاحظة عدد متزايد من الشركات متعددة الجنسيات هذا التحول في الأحداث ومن ثم قامت – وتقوم - بنقل وظائف البحث والتطوير فيها إلى الهند - كما قامت قبل ذلك إلى الصين - للاستفادة من ميزة وفرة الكفاءات المتاحة والكلفة المنخفضة إلى حد بعيد لاستخدام باحثين من البلد المضيف، وقد أسهمت صور التقدم الحديثة في مجالي الكمبيوتر والاتصالات في جعل هذا العمل أيسر بكثير من الماضي، فعلى سبيل المثال، تشتهر مراكز البرمجيات في الهند بالانخراط في معالجة أحجام مهولة من البيانات في أوقات خلود الأمريكيين والأوربيين للنوم، كما يستخدم الباحثون في مختلف أنحاء العالم الإنترنت للتعاون مع بعضهم بعضاً، والإسراع بعمليات تصميم وإنتاج منتجات وخدمات جديدة

رابعاً، أن رهان رأس المال البشري بدأ يؤتي ثماره منذ بداية الألفية الجديدة مع عودة العديد منهم إلى أرض الوطن لبعض الوقت أو بشكل نهائي. للمشاركة في انطلاقة الهند التكنولوجية.

خامساً، تبدو الهند عاقدة العزم على بناء استقلالها التكنولوجي؛، حيث رصدت 10 مليارات دولار لصناعة أشباه الموصلات وشاشات العرض. وترى آراء أمريكية حديثة أنه «إذا كانت الهند متقدمة في خدمات تكنولوجيا المعلومات والجوانب المتعلقة بالبرمجيات، فإنها في حاجة إلى تعاون بخصوص الجزء المتعلق بالأجهزة والمعدات». ولن تمانع الولايات المتحدة من تمكين الهند من الوصول إلى التكنولوجيا.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"