سلوك أوروبا «الأبوي» تجاه إفريقيا

22:29 مساء
قراءة 4 دقائق

توماس فالك *

أعلن الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من هذا العام نيّته استثمار أكثر من 150 مليار يورو في إفريقيا في محاولة لتوسيع نفوذه وتقويض نفوذ الصين، ولإظهار أن أوروبا هي الشريك الأكبر والأكثر موثوقية في القارة الإفريقية. لكن الواقع يكشف صورة مغايرة تماماً، فلطالما فشل الاتحاد في إدراك أن الاستثمارات في حد ذاتها ليست الحل، وبأن الصين ستحافظ على ريادتها.

تُعد إفريقيا مثالاً مهماً على كيفية قيام استراتيجية الصين الجيوسياسية بتحويل ميزان القوى بشكل حاسم عبر قارة بأكملها، والصيغة المفتاحية لذلك بسيطة بشكل مدهش. فعلى عكس بروكسل، لا تنظر بكين إلى إفريقيا بوصفها «مشكلة»، حيث تسود المجاعة والحرب الأهلية، بل تنظر إليها كقارة ملأى بالفرص.

بين عامي 1960 و1997، أرسل الغرب ما يزيد على 500 مليار دولار من المساعدات إلى إفريقيا، أي ما يقرب من خمسة أضعاف المبلغ (بعد التعديل) الذي أرسلته الولايات المتحدة إلى اقتصادات أوروبا الغربية إبّان الحرب العالمية الثانية. ولسوء الحظ، لم ينتج عن ذلك لا المزيد من الوظائف الجديدة ولا زيادة ملحوظة في القيمة، بل على النقيض تماماً، الذي حدث هو زيادة الاعتماد على المساعدات الخارجية، في وقت ركّزت فيه المساعدة على تحسين البنية التحتية الاجتماعية لإفريقيا.

إلى أن جاءت الصين بين عامي 2007 و2020، واستثمر اثنان من البنوك التنموية الرائدة فيها 23 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية في القارة الإفريقية. أي أكثر من إجمالي مساهمات أكبر ثمانية مقرضين لإفريقيا، بما في ذلك البنك الدولي، وبنك التنمية الإفريقي، وبنوك التنمية الأمريكية والأوروبية.

وأصبح تأثير الصين ممكناً أكثر بسبب التكامل الثنائي بين الجانبين. حيث إن معظم البلدان الإفريقية غنية بالموارد الطبيعية، لكن البنية التحتية الضعيفة تظل إحدى العقبات الرئيسية أمام التنمية. ولدى الصين المصلحة والتمويل لسد هذه الفجوة في وقت تعاني فيه مشاريع البنية التحتية للدول الغربية وبنوك التنمية الدولية من الركود.

تعتبر الصين كذلك أكبر شريك تجاري لإفريقيا ل 12 عاماً متتالية. وارتفعت التجارة بين البلدين بنسبة 35% من عام 2020 إلى مستوى قياسي بلغ 254 مليار دولار أمريكي العام الماضي، ويرجع ذلك أساساً إلى زيادة الصادرات الصينية إلى القارة.

بالنظر إلى هذه الحقائق، ليس من الصعب معرفة سبب اعتبار العديد من الدول الإفريقية للصين، وليس أوروبا، «الشريك الأكثر أهمية لها». وهو ما أدى إلى توسيع الفجوة أكثر بين بروكسل وبكين في هذا الصدد، فالشركات الصينية تتقدم بشكل متزايد على منافسيها الأوروبيين بالقرارات السريعة التي يجري اتخاذها والتنفيذ العاجل للمشاريع والطلبات في إفريقيا.

وبينما الصين مجهزة تماماً بالوسائل «العملية» التي تُحدث تغييراً واضحاً في القارة، تركز أوروبا بشكل أساسي على تصدير قيمها «النظرية» إلى إفريقيا ومواصلة ربط اللوائح والشروط باستثماراتها بطريقة أوروبية نموذجية، ووفق سلوك أبوي يتناقض بشكل صارخ مع سياسة بكين الرافضة للتدخل في الشؤون الإفريقية.

أو بصيغة تشبيهية أخرى، تسأل الصين عن الطريق الذي يجب إنشاؤه، وما جدواه، وإلى أين سيؤدي، ثم تنفذ المشروع وتُسلّمه في وقت محدد. في حين يتحقق الاتحاد الأوروبي أولاً لمعرفة ما إذا كان الطريق حيوياً، ثم يُجري دراسات لتقييم وتحليل كمية الحياة البرية الإفريقية التي يمكن أن تتضرر من المشروع.

ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الواقع الظاهر، لم يُجرِ الاتحاد الأوروبي بعد أي تغييرات مهمة على سياسته. ومن المؤكد أنه لا ينبغي له إهمال أو المساومة على قيمه الخاصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والاستدامة، لكن يتعين على بروكسل أن تسأل نفسها بشكل نقدي ما إذا كان ينبغي عليها الاستمرار في التعامل مع الظروف في إفريقيا وفقاً للمعايير الأوروبية أم بات التغيير واجباً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن نهج أوروبا الحالي تركها متخلفة في زحمة التدافع الجديد لإفريقيا.

عندما يترافق الالتزام بالمعايير الخاصة بالفرد بعدم وجود أي تأثير، تصبح هذه المعايير موضع شك. ويجب على المرء ألا ينسى أن القيم، ورغم إثارتها للإعجاب من الناحية النظرية على الأقل، إلا أن طريقاً معبّداً، على سبيل المثال العملي السابق، يربط قرية ما بأخرى هو أجدى وأكثر فائدة لوضع إفريقيا وسيضيف إليها الكثير.

نعم، من المهم جداً إجراء انتخابات نزيهة وتقليل الانقلابات السياسية وتأييد حقوق الإنسان، لكن هذه الإجراءات وحدها لن تخلق إفريقيا الأفضل والأكثر استقراراً التي يرغب الاتحاد الأوروبي في رؤيتها، وتشهد السنوات ال 62 الماضية على ذلك.

تحتاج أوروبا إلى أن تكون مرنة وأن تصمم خططها الاستثمارية ونهجها إقليمياً للمشاركة، وتقدم سياسة تنافسية ومركّزة بشكل استراتيجي بدلاً من محاربة الوضع الراهن. وقبل كل شيء، يحتاج الشباب الإفريقي إلى دعم أوروبي لدخول سوق العمل، حيث ستكون هناك حاجة إلى 15 مليون وظيفة إضافية بحلول عام 2025 للحد من البطالة. ومن خلال الاستثمارات في التعليم والتوظيف والمشاركة الاجتماعية، تستطيع أوروبا تقديم يد العون، وهذا من شأنه ألا يكافح الفقر فحسب، بل سيخلق أيضاً شريكاً تجارياً قوياً. علاوة على ذلك، يجب على أوروبا أن تعيد التفكير والتصرف مع فئات تابعة لها على أنها قوى اقتصادية عالمية، وأن تبني في الوقت نفسه علاقتها مع إفريقيا على أساس المساواة، وعدم معاملة الأفارقة كمحتاجين وطالبي إعانات فقط. والصين بدورها تعي هذه المفاهيم جيداً.

* صحفي ومحلل مستقل «ساوث تشاينا مورننج بوست»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"