ماذا تقول لهم؟

00:50 صباحا
قراءة دقيقتين

ماذا تخبر أولادك كلما تقدم بك العمر؟ هل تفكر في سرد حكايات الماضي الذي عشته علّهم يتعلمون ويتعظون، أم تترك الحكمة - التي نحتتها فيك تراكمات الأيام والسنين والتجارب وكل ما عشته وما تعلمته من تجارب الآخرين أيضاً - تنطق بما تراه في نظرتها الفلسفية الوجدانية العميقة التي تحلق عالياً فتشمل الماضي والحاضر وترى ما يعجزون عن رؤيته من المستقبل؟ 
ربما لن يصدقوك، أو قد يتفاعلون معك إنما ليس بنفس حجم حرقتك عليهم ولهفتك لتحول دون وقوعهم في طيش ترك فيك علامات يوم تعثرت فيه.. لكن ذلك لن يحزنك بل ستضحك في قرارة نفسك لسخرية الزمن وأنت تتأملهم وتردد: «ألم أكن الفتى الطائش المدعي معرفته بكل شيء، المتعالي على أي نصيحة ترددها أمه على مسامعه كل صباح، والغاضب من أي ملاحظة يبديها والده عند عودته في المساء؟ ألست أنا الواقف هنا أمامي يوم كنت شاباً وفي داخلي عنفوان يعميني عن أشياء وعقل يشدني نحو الصواب؟»، تبدلت الأدوار وها أنت تقف في مكان أبيك ويحتل ابنك مكانك لتعيد الحياة على مسامعك السيناريو نفسه. 
«زمنهم مختلف عن زمننا»، عبارة صحيحة يكررها كل الناس، لكنها ليست استثنائية ولا مرتبطة بأبناء «هذا الجيل» فقط، فقد تكون العبارة الجامعة الشاملة لكل الأجيال عبر كل الأزمنة، وكل جيل سابق يرددها على مسامع الجيل اللاحق؛ والمقارنات لا تتوقف والإحساس بأن الماضي كان أفضل سيبقى خالداً، خصوصاً كلما تعرى الإنسان والعالم من القيم والسمو بالأخلاق والتمسك بالجمال والمبادئ والرقي والذوق الرفيع والمقصود به العالي، الذوق في الكلام وتداول عبارات الاحترام، والذوق في اللبس واحترام البدن والشكل والأخلاق، والذوق في التصرف بين الأفراد ومن ضمنه طبعاً احترام الآخر واحترام الشارع والمجتمع.. 
لكل جيل زمنه وموضته وأغانيه.. طبعاً وهذا نوع من التغيير الذي يسعد الإنسان ويشعره بشيء من التطور والاستقلالية في التفكير والتصرف، لكن الجوهر لا يتغير مهما تقلبت الأزمان، والجوهر هو الكنز المتوارث من جيل إلى جيل ومن جد إلى أب ثم ابن فحفيد.. والكنز هو كل ما له علاقة بالأخلاق والقيم والإنسانية، أشياء إذا زالت زال معها الخير وصار الإنسان حيواناً، وكلما تلاشت تعاظمت الغوغائية والسوقية والدونية في كل شيء، حدود لو تخطاها الإنسان في أي عصر وأي زمن لجعل من الأرض غابة والبشر فيها ديناصورات العصور القادمة القادرة على تدمير الحياة على الأرض. فماذا تخبر أولادك كلما تقدم بك العمر، هل تفضل أن تحكي عن الماضي الذي عشته أم عن المستقبل الذي تراه وربما لن تعيشه؟.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"