عادي

أخلاق الإسلام..حماية للأسواق

00:10 صباحا
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني
انتشرت سلوكات خطأ، وصور للاستغلال والغش والاحتكار في أسواق عدد من البلاد العربية، ولم تنجح الإجراءات والعقوبات التي اتُخذت لضبطها وتحقيق العدل بين كل من المنتج والتاجر والمستهلك، الأمر الذي يفرض ضرورة اتخاذ إجراءات وقائية، للحماية من غش وطمع المنتجين والتجار، ويضمن حقوق المستهلك. هل الوعي الديني يمكن أن يقوم بدور في ضبط الأسواق؟ وماذا قدم الإسلام من تعاليم وآداب وأخلاقيات، تكفل استقرارها وإعطاء كل ذي حق حقه؟ وما العقوبات الشرعية لهؤلاء الذين سيطر عليهم الطمع فلجأوا إلى الغش والاحتكار والتحايل، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب على حساب مصلحة المستهلك؟

الصورة

يرجع د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، كل ما نشكو منه في أسواقنا من ممارسات غير صحيحة وغش واستغلال وتطفيف في الكيل والموازين، ومخالفة المواصفات القياسية إلى غياب الآداب والأخلاق الإسلامية عن أسواقنا ومعاملاتنا التجارية، مؤكداً أن الضحية هو المستهلك الذي يدفع وحده الثمن.

ويقول: نحن في أمسّ الحاجة إلى استعادة الآداب والأخلاق الإسلامية الحاكمة والضابطة للنشاط التجاري، والتي تنطلق جميعها من قيمة عظيمة هي الأمانة التي حثنا على الالتزام بها الخالق، سبحانه، باعتبارها إحدى الفضائل الرئيسية ومن القيم المهمة في حياة الأفراد والجماعات.

ويؤكد د. هاشم أن انضباط الأسواق واستقرارها لا يعتمدان على إجراءات وقوانين وعقوبات تطبقها السلطات القائمة فحسب؛ بل يسهم في تحقيق قيم وأخلاقيات يعمل الإسلام على نشرها، فتسود الثقة بين الناس، وتساعدهم على الاستمتاع بثمرة كفاحهم، بعيداً عن كل صور الغش والتضليل والاستغلال الشائعة في الأسواق، نتيجة ضعف الوازع الديني.

ويضيف: المنتج الأمين يعرف قيمة الصدق، ويدرك معنى الأمانة، ويحافظ على حقوق الناس؛ لذلك يقبلون على منتجاته لو كان صانعاً، والتعامل معه بيعاً وشراء لو كان تاجراً.

لكل ذلك اهتم الإسلام بخلق الأمانة، وحث على ضرورة أن يلتزم المسلم بهذه الصفة الرفيعة حتى يكون جديراً بثقة الآخرين، والأمانة في نظر القرآن الكريم هي قرينة الحكم بالعدل؛ بل قدمها الحق، سبحانه، عليه في قوله تعالى: «إنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ».

مواجهة التضخم

يؤكد د. محمد السيد برس، أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر، أن القيم والأخلاق الإسلامية أفضل وسائل لمواجهة الغش التجاري والصناعي والاحتكار وتطفيف الكيل وغير ذلك مما تعانيه أسواقنا. ويقول: نشر القيم الإسلامية في الأسواق لا يعنى أنها بديلة للتشريعات والعقوبات التي تواجه الاستغلال، لكنها تعد عاملاً مساعداً وقوياً وداعماً للعقوبات الرادعة لكل مخالف للصدق والأمانة من منتجين وتجار.

ويوضح أن الإسلام يقدم عطاء وافراً في مواجهة مشكلة التضخم التي تعد من أخطر التحديات التي تواجه أقوى الاقتصادات. ويقول: تعاليم الإسلام تكبح جماح التضخم، فلا استغلال في الأسواق، ولا يوجد ارتفاع غير مبرر للأسعار في الأسواق، والإسلام يواجه التضخم بزيادة الإنتاج، وتوسيع قاعدة المنافسة، ليخضع السوق لقانون «العرض والطلب»، وحظر الحماية لمنتج، ليظل الجميع يتنافس، وحماية حقوق المستهلك بإجراءات وقائية وأخرى عقابية، ورفع وعيه وتعظيم دوره في المواجهة. وكل هذه الإجراءات التي يدعمها الإسلام يقول بها خبراء الاقتصاد في العالم اليوم.

ويشدد د. برس على أن منهج الاقتصاد الإسلامي يعالج علاجاً جذرياً المشكلات التي نعانيها في أسواقنا، موضحاً أن هذا المنهج يتضمن الحث على العمل وإتقانه، ومواجهة مشكلة البطالة المقنعة، وهو ما يؤدي إلى خلل في الإنتاج سواء قلة المعروض أو عدم جودة المنتج، والسفه الاستهلاكي الذي يؤدي إلى شح السلع والخدمات، خاصة في أوقات الأزمات، وارتفاع أسعارها، ويحث على إخراج الزكاة، والتي لها أثرها الكبير في علاج مشكلة التضخم؛ إذ تدفع المال إلى الاستثمار، وتساند أصحاب المشروعات المتعسرة.

ظاهرة مزعجة

يرى د. عباس شومان، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أن تجاوزات الأسواق التي نشكو منها في كثير من بلادنا العربية لا تعالج بالقوانين والعقوبات وحدها، مع أهميتها، ولكن من المهم غرس القيم الدينية في نفوس كل المتعاملين في الأسواق من صنّاع وتجار ومستهلكين. ويقول: اهتمام الإسلام بمعاملات الناس لا يقل عن اهتمامه بصحة عبادتهم وحسن أخلاقهم، وفي الوقت الذي أصبحت فيه تجاوزات الأسواق ظاهرة مزعجة في مجتمعات عربية، نحن بحاجة ماسة إلى نشر الوعي الديني بكيفية التعامل بصدق وأمانة، لمواجهة أي غش وتدليس واحتكار واستغلال وشيوع لقيم سلبية كثيرة تهدر حقوق المستهلكين في الحصول على السلع والخدمات الجيدة فقط وبأسعار معتدلة.

ويؤكد د. شومان أن كل ما نعانيه في كثير من أسواقنا من تجاوزات وقيم سلبية، يرجع في الأساس إلى غياب تعاليم وأخلاق الإسلام، ويتفق مع

د. برس في ضرورة أن يكون الاستهلاك معتدلاً حتى تنضبط الأسواق، ولا تكون بحاجة دائمة إلى المزيد من السلع والمنتجات، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى شحها وارتفاع أسعارها. ويقول: هنا تظهر بوضوح فلسفة الإسلام في ضبط الأسواق، فكما يرفض ويدين الإنتاج الرديء لما يترتب عليه من مضار صحية وخسائر بدنية واقتصادية للمجتمع كله، ويرفض ويدين الغش والاحتكار بكل صوره وأشكاله حرصاً على مصلحة المجتمع وتوافر السلع والخدمات به طوال الوقت، يهتم الإسلام كثيراً بضبط سلوك المستهلك، ويضع له الضوابط الشرعية والقيم الأخلاقية، ويرشده إلى طريق الاعتدال.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"