أمريكا والشرق الأوسط

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن في «قمة جدة للأمن والتنمية»، أن واشنطن لن تتخلى عن الشرق الأوسط؛ حيث تؤدي منذ عقود دوراً  محورياً، وأنها ستعتمد رؤية جديدة لهذه المنطقة الاستراتيجية، ولن تسمح بوجود فراغ للقوة، يكون مملوءاً من قوى أخرى.

هذا التصريح لا يمكن فهم مفرداته إلا في سياقات متعددة أولاً؛ حيث تأتي في مقدمتها أهداف ومبادئ السياسة الخارجية في المنطقة، وثانياً في ضوء التحولات السياسية التي يشهدها التنافس بين القوى الكبرى على إعادة صياغة النظام الدولي على التعددية، وليس الأُحادية. وثالثاً في ضوء تصاعد دور القوى الإقليمية كإيران، وسعيها لامتلاك القوة النووية، ورابعاً هذا التصريح يرتبط بالحرب الأوكرانية، وما أفرزته من تداعيات وتهديدات كونية اقتصادية وعسكرية، تمس مفهوم الأمن الأمريكي. وتقف وراء هذه الزيارة أهداف وأولويات ومصالح استراتيجية عليا للولايات المتحدة؛ أبرزها أمن وبقاء إسرائيل، وهذا ما تم تأكيده من خلال «إعلان القدس» . والسبب الثاني، الأهمية النفطية والاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط، فالسعودية والإمارات تمثلان قوة نفطية كبيرة، وتؤثران في القرار الاقتصادي العالمي، وهذا يتمثل في حضور السعودية في مجموعة دول العشرين؛ لذلك فالأمن النفطي وضمان تدفق النفط بأسعار معقولة للولايات المتحدة وحلفائها، يشكلان سبباً آخر للتفاهم مع المنطقة، ويرتبط بهذه الأهمية الاستراتيجية أن المنطقة باتت هدفاً وأولوية عليا لكل من الصين وروسيا، وبناء شراكات استراتيجية معها، وهذا حسب ما تقول واشنطن يشكل تهديداً مباشراً لمصالح الولايات المتحدة. والتساؤل هنا: هل حققت الزيارة أهدافها؟ في ضوء مخرجات الزيارة، فقد أعطت كل طرف ما يريد، فعلى مستوى العلاقات مع إسرائيل، حققت الزيارة أهدافها، ومنحت إسرائيل أكثر مما تتوقع؛ ب«إعلان القدس» الذي يجدد التزامات الولايات المتحدة بتقديم الدعم الاقتصادي والعسكري، وأهم ما فيه الالتزام بعدم امتلاك إيران القوة النووية حتى لو اقتضى ذلك اللجوء إلى القوة العسكرية. وفلسطينياً لا جديد في المواقف والسياسات الأمريكية، باستثناء الاستمرار في تقديم الدعم المالي للسلطة ووكالة الغوث، وتكرار الموقف التقليدي من «حل الدولتين» من دون التقدم خطوة إلى الأمام.  وأما على مستوى العلاقات مع السعودية ودول الخليج، فيمكن القول..

 إن الزيارة حققت بعضاً من أهدافها في مجال الطاقة، وبالتأكيد إعادة بناء العلاقات الاستراتيجية التقليدية مع السعودية، والتي تم خلالها توقيع 18 اتفاقاً في مجالات متعددة. مع مراعاة استقلالية دول المنطقة في بناء علاقاتها الاستراتيجية الخارجية، وتنويع شراكاتها مع دول أخرى؛ كالصين وروسيا،، والتصدي لكل أشكال العنف والإرهاب، والعمل في اتجاه حل الأزمة في اليمن. وما يستوقفني في تصريح الرئيس بايدن قوله: «إن الولايات المتحدة لن تترك منطقة الشرق الأوسط، ولن تسمح بوجود فراغ قوة يكون مملوءاً بقوى أخرى»؛ والمقصود هنا الصين وروسيا وإيران. وهذه الرؤية الجديدة قد تأخذ سيناريوهات مختلفة؛ منها تشكيل ناتو أو هيكل عسكري جديد يضم إسرائيل، وهذا السيناريو مستبعد نهائياً، خصوصاً مع تأكيد وزير خارجية السعودية أن أي علاقات تطبيع مع إسرائيل متوقفة على الحل السياسي للقضية الفلسطينية، وقيام الدولة الفلسطينية، والسيناريو الثاني، تفعيل العلاقات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية مع الولايات المتحدة، وهو الأكثر واقعية، وأما السيناريو الثالث فهو تفعيل وتطوير القدرات العسكرية لدول المنطقة، والتنسيق بين قادة الدول التي حضرت «قمة جدة»؛ (مصر والعراق والأردن). 

هذه الرؤية الجديدة للولايات المتحدة قد تعد امتداداً لرؤية إدارة الرئيس أوباما التي تقوم على تقليص الوجود الأمريكى مع تبني مقاربة اعتماد دول المنطقة على استراتيجية الدفاع الذاتي عن النفس، وتختلف عن مقاربة إدارة ترامب بالانسحاب من المنطقة. نحن إذن أمام رؤية استراتيجية أمريكية جديدة في المنطقة، تقوم على مفهوم جديد للشراكات الاستراتيجية مع مراعاة التحول في دور دول المنطقة وتنامي قدراتها وتنوع شراكاتها الاستراتيجية مع مراعاة مصالحها ورؤيتها الخاصة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"