عادي

الهجرة في حياة المسلم

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين
أحمد حلمي

أحمد حلمي سيف النصر
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح؛ لكن جهاد ونية»، متفق عليه. والمقصود لا هجرة بعد فتح مكة، ولكن جهاد ونية لإعلاء كلمة الله تعالى.. لأن الهجرة إلى المدينة ونصرة النبي كانتا واجبتين على كل مسلم إلى أن تحقق الفتح المبين وتطهرت مكة من الشرك.

ومن هذا نرى الشارع الحكيم حدد نوعين من الهجرة لا ثالث لهما: هجرة إلى الله، وهجرة لغير الله، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الهجرة خصلتان، إحداهما أن تهجر السيئات، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة». وإذا كانت الهجرة المادية تجب في بعض الأحوال، فإن الشعورية واجبة على كل حال وفي كل حين، لأنها تتعلق بهجر ما لا يرضي الله تعالى.

ويقول صلى الله عليه وسلم: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها». أما قوله صلى الله عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية»، فالمراد بها هنا أن لا هجرة واجبة بعد الفتح، وقد زاد مسلم «وإذا استنفرتم فانفروا».

والمسلم مكلف بأن يهجر كل ما حرم الله، وأن يهاجر إلى ما أحلّ، لأن هذا هو الهدف من استخلافه في الأرض لقوله تعالى: «وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون»، الذاريات 56. وهل العبادة إلا طاعة الله فيما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر؟

ولهذا، فتح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، باب الهجرة على مصراعيه أمام كل راغب فيه، فقال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه»، رواه البخاري. وفي رواية ابن حبان: «المهاجر من هجر السيئات، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».

والهجرة الشعورية تعني إنكار ومعاداة كل ما لا يرضي الله أو يخالف شريعته، ويظهر المسلم هذا العداء بكل الوسائل الممكنة، بالجوارح أو باللسان أو بالقلب، ويعمل على تغييرها بكل الإمكانات المتاحة، فالرسول، صلى الله عليه وسلم يقول:«من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». وأساس هذه الهجرة النية، ولهذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».

والمعنى الذي حدده المصطفى للهجرة عام، تمتد جذوره إلى أعماق الحياة البشرية، فتقيمها على أسس قويمة تقوم على أساس الإصلاح والصلاح للحياة الإنسانية، والأمن والاستقرار للنفس البشرية، ولهذا كانت كلمات الحديث الشريف متكاملة في تحديد معنى الهجرة على أساس أنها عبادة ترتبط بعقيدة الإنسان وإيمانه، وعلى أساس أنها عملية بناء وإصلاح تأخذ بيد الإنسانية المعذبة إلى شاطئ الأمان والاطمئنان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"