بايدن «الديمقراطي» وبوتين «الشعبوي»

00:15 صباحا
قراءة 3 دقائق

الحسين الزاوي

تدور حالياً حرب بالوكالة بين واشنطن وموسكو في أوكرانيا وتؤثر بشكل غير مسبوق في النظام الدولي، تعيد إلى الواجهة الدور التبشيري للولايات المتحدة الأمريكية، وتبرز مدى افتتانها بالثنائيات السياسية والأخلاقية القائمة على الصراع بين الأضداد. فبعد أن سبق للرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، أن قسّم العالم إلى محور للخير بقيادة أمريكا، والغرب، ومحور للشر يضم الدول الرافضة للهيمنة الغربية، جاء دور الرئيس بايدن ليقسِّم العالم إلى كتلتين متعارضتين؛ الأولى «ديمقراطية» بقيادة واشنطن، والثانية «استبدادية» تضم دولاً كبرى مثل الصين وروسيا، إلى جانب دول أخرى في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، تزعم واشنطن أنها غير ديمقراطية ولا تحترم حقوق الإنسان.

ويكمُن الاختلاف الرئيسي بين بايدن وبوش (بالنسبة لدورهما التبشيري)، في أن جورج بوش كان ينظر إلى أمريكا بوصفها تمثل كتلة موحّدة، تحارب الشر بمعية حلفائها الغربيين، بينما يسعى بايدن إلى توظيف ثنائيته المتعلقة بالصراع بين الديمقراطية والاستبداد، ضد خصومه في الداخل والخارج على حد سواء، وبالتالي فعندما يوجّه انتقاده إلى «بوتين الشعبوي» و«غير الديمقراطي»، فهو ينتقد في اللحظة نفسها، غريمه الجمهوري دونالد ترامب الذي يرى فيه الوجه الآخر لعملة بوتين الشعبوية داخل أمريكا، بسبب التهديد الذي يشكّله على مؤسسات الدولة العميقة في واشنطن، وعلى مصالح شركاتها المتعددة الجنسيات.

يشير الباحث لورانس سانت جيل، إلى أن بايدن لا يخشى الابتزاز النووي الروسي، ويوظّف قسماً معتبراً من مقدّرات أمريكا والإمكانيات الاقتصادية للحلفاء الأوروبيين من أجل تحدي بوتين، بهدف إضعاف روسيا دون أن يخفّف الضغط الاقتصادي الذي تمارسه بلاده على الصين . 

فقد سعى بايدن إلى تجاوز ما وصفه بمرحلة التنازلات والإهانات التي ميّزت سياسة ترامب تجاه روسيا، وقرّر أن تعود أمريكا إلى قيادة «العالم الحر»، مؤكداً ، أن حلفاء أمريكا يمكنهم أن يراهنوا على دعمها القوي وغير المشروط لهم، خاصة أن بايدن يقدِّم نفسه كواحد من المسؤولين الأمريكيين الأكثر اطلاعاً على خبايا السياسة الدولية، وأكثرهم معرفة وتحكماً في ملف الصراع مع موسكو منذ نهاية الحرب الباردة، ومن ثم فإنه، خلافاً لكل الرؤساء  السابقين، لم يعمل خلال الأسابيع الأولى من ولايته الرئاسية على إعادة تنشيط علاقات بلاده مع موسكو؛ بل إن تصريحاته الأولى كانت في غاية الحدة ضد روسيا في محاولة منه للقضاء على إرث علاقات ترامب مع بوتين.

ومن الواضح بالنسبة لقسم كبير من الملاحظين، أن سياسة بايدن الخارجية تجاه روسيا، هي امتداد لسياسة سلفه الديمقراطي أوباما في ولايته الثانية، عندما كان بايدن نائباً للرئيس، وضغط حينها على أوباما من أجل اتخاذ مواقف صارمة ضد روسيا، في محاولة منه لحشرها في الزاوية، ودفعها إلى تعديل سياستها الخارجية التي لا تخدم نفوذ واشنطن ومشاريعها السياسية، بسبب دعوتها المتواصلة إلى إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب، وذلك ما يجعل بايدن يعتبر أن حشد وانخراط واشنطن إلى جانب أوكرانيا، يندرج في سياق الدفاع عن المصالح الوطنية الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة أنه كان يدافع دائماً عما سمّاه بالوحدة الترابية لأوكرانيا وجورجيا، وسبق له أن عبّر عن دعمه لهاتين الدولتين في سعيهما إلى الانضمام إلى حلف «الناتو»، رافضاً بذلك بعض المفاهيم الجيوسياسية المتعلقة بمجال النفوذ أو المجال الحيوي للدول والتي يعتبرها مفاهيم متجاوزة تعود إلى مرحلة القرن التاسع عشر، ولا تنسجم مع طبيعة التحوّلات التي يشهدها القرن الواحد والعشرون، إضافة إلى إصراره على الضغط على روسيا في ما يتعلق بملفات حقوق الإنسان.

ويمكننا أن نستنتج بناء على ما تقدم، أن واشنطن، بقيادة بايدن، لا تنظر إلى دعمها لحكومة كييف في مواجهتها لروسيا على أنه مجرد دعم لسيادة أوكرانيا ولوحدتها الترابية، ولكن بوصفه مجهوداً ينخرط في سياق حرب أكثر شمولية للدفاع عن «العالم الحر»؛ أي حرب ترقى إلى مستوى الصراع الوجودي بين الديمقراطية التي ترفع لواءها أمريكا من جهة، وبين الأنظمة التي تراهن على الخيارات الشعبوية من أجل التضييق على الحريات من جهة أخرى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"