تقويم وإصلاح

00:16 صباحا
قراءة دقيقتين

العلم يعدّ المدرسة الأولى للتقويم والإصلاح والتهذيب والتأهيل في حياتنا، لقدرته على تبديد ظلمة الجهل، ومعالجة السلوكيات والأخلاقيات عند تعرضها للانهيار، وتأهيل الفكر وتعزيز الوعي، وتهذيب النفس واعتدالها، فقوته لا تحدّها حدود، ولا تمنع وصولها حواجز ولا أسوار.
والتعليم بمفاهيمه يعد أداة مؤثرة، لإصلاح ما أفسدته عادات سلبية مكتسبة، وسلوكيات مرفوضة لا تلامس الأعراف والتقاليد والقوانين، ومن شأنه تصحيح الأخطاء الحياتية التي قد يقع فيها فئات المجتمع، فبات مُصدِّراً للفرص المتجددة للجميع، لإثراء النفوس والعقول بالمعارف والعلوم.
وفي دلالة صادقة على قوة العلم، وأهمية التعليم في حياة الإنسان في مختلف أحواله، استوقفتني مبادرة وزارتي الداخلية والتربية والتعليم، لتمكين النزلاء من استكمال التعليم العالي داخل المؤسسة العقابية والإصلاحية الاتحادية في أبوظبي، من خلال برنامج تعليمي متخصص يعزز مكانة التعليم، كأداة فاعلة للإصلاح والتأهيل وتمكين المكانة العلمية.
تعالج المبادرة جوانب مهمة في تكوين شخصية الإنسان، بالمعرفة وآثارها والتعليم وقدرته على إحداث تغير جذري في حياة نزلاء العقابية، لاسيما أن البرنامج يتضمن مساراً متوازياً لاستكمال الدراسة المدرسية بنظام «المنازل»، ليشكل فرصة ثمينة أيضاً لجميع النزلاء المتطلعين إلى التعليم في مختلف الحلقات «الأولى وحتى الثانوية».
البعض يعتقد أن مبادرة من هذا النوع، أمر بسيط، يسهل إعداده وتطبيقه، ولكنها حقاً بحاجة لمقوّمات وتنسيق وتخطيط طويل المدى، إذ تركز على جوانب التقويم والإصلاح، وضمان استمرارية النزلاء في التعليم عقب مغادرة المؤسسة، وهنا تكمن «استثنائية» المبادرة، التي تسهم في الارتقاء بالدرجة العلمية للنزلاء، الذين يعتبرون عابري سبيل، يقضون في المؤسسة أياماً أو شهوراً أو حتى سنوات.
يحسب لأطراف المبادرة الخطوة الرائدة، التي ركزت على توفير بيئة صالحة للتعلم واكتساب المهارات التعليمية والحياتية الجديدة، إذ خصصت قاعة دراسية جعلت «العطاء» عنواناً لها، كاملة المستلزمات والأدوات، ومجهزة بالإنترنت لإجراء الامتحانات، ولديها مقومات لإثراء الجانب الثقافي للنزلاء، بمحاضرات ولقاءات، تُسهم في دمجهم بالمجتمع، واكتسابهم الثقافة «تعليمياً ودينياً واجتماعياً».
نواتج المبادرة حملت مؤشرات إيجابية، أبرزها مواصلة بعض النزلاء لدراستهم خارج نطاق المؤسسة بعد انقضاء مدة الحكم، بحسب إفادة أطراف المبادرة، وهذا في حد ذاته إنجاز كبير، ويكفي أن مقاعد العلم تزينت بطلاب جدد، حرصوا على تغيير مسار حياتهم، باختيارهم العلم والمعرفة منبراً على الرغم من ظروفهم الحياتية.
دور المؤسسات العقابية لا يقتصر على تنفيذ الأحكام فحسب، ولكن أصبح دورها أعمق وأكثر أهمية في تأهيل النزلاء نفسياً واجتماعياً ومهنياً، وتعزيز القيم الأسرية وإعادة دمجهم في المجتمع، فلماذا لا يعمم البرنامج على جميع مؤسسات الدولة العقابية، لتكون فرصة الإصلاح والتقويم متاحة لجميع النزلاء؟.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"