في معظم الأبحاث تتمُّ الإشارة إلى مدى أهمية عامل الذكاء في تحقيق النجاح الوظيفي، وأن الموظف الأكثر نجاحاً هو صاحب أعلى معدل ذكاء، لكن تلك الدراسات تهمل حقيقة أن الإنسان كائن عاطفي قبل أن يكون كائناً عقلانياً، لذلك يحتكم إلى عواطفه أغلب الأوقات ويندفع بتصرفاته بناء على مشاعره وأحاسيسه في كثير من المناسبات متجاهلاً كل الأفكار المنطقية والقرارات العقلانية.
إن المفهوم السائد هو أن الذكاء الشديد يلعب دوراً مهماً في قدرة الإنسان على استيعاب المعلومات واستثمارها بشكل ذكي وفعال، وكذلك القدرة على الإبداع والابتكار وإنجاز المهام المعقدة بسرعة وإتقان. لكن الواقع يخبرنا بقصة مختلفة، فهناك مئات النماذج لأناس تفوَّقوا ذهنياً على أقرانهم، لكنهم أخفقوا إخفاقاً ذريعاً في وظائفهم ولم يستطيعوا على الإطلاق ارتقاء سلم النجاح الوظيفي، لأنهم أذكياء للغاية إذا ما قسنا درجة ذكائهم اعتماداً على عامل الذكاء، لكنهم في الوقت ذاته متخلِّفون عن أقرانهم من الأشخاص العاديين من ناحية الذكاء العاطفي.
والذكاء العاطفي هو مصطلح يشير إلى قدرة الإنسان على فهم مشاعره الذاتية بشكل جليّ وواضح، وتنظيمها وإدارتها بهدف مراقبة المشاعر والانفعالات الخاصة بالآخرين بدقة، لتكوين علاقات إيجابية معهم، وكلما ارتفعت مهارات الذكاء العاطفي لدى الإنسان، أدى ذلك إلى علاقات شخصية ناجحة بصورة أكبر.
إن الموظف الذي يمتلك درجة عالية من الذكاء العاطفي يستطيع إقامة علاقات وطيدة مع المتعاملين وزملائه في العمل ورؤسائه أيضاً، وذلك يضمن له نجاحاً وظيفياً لا يتأتَّى في كثير من الأحيان لشخص يفوقه في الذكاء الأكاديمي والدرجات الجامعية، بل وحتى في الشهادات العلمية، لكنه يفتقر إلى القدرة على إدارة عواطفه وفهم مشاعر الآخرين وكيفية التعامل معهم بطريقة إيجابية مبنية على التعاون والاحترام المتبادل.
ويشير الكثير من علماء النفس الى أن الذكاء العاطفي له الدور الأكبر في نجاح الفرد من عدمه، فقدرة الإنسان على التعامل مع مختلف المواقف الاجتماعية وامتلاكه درجة عالية من التحكم في الانفعالات والمشاعر وضبط النفس إلى جانب مهارته في كسب الآخرين إلى صفه بغض النظر عن مستواهم الاجتماعي أو الوظيفي وبناء علاقات وطيدة معهم تعدُّ الركيزة الأساسية التي يُبنى عليها النجاح على المستوى الوظيفي، بل على مستوى الحياة ككل، فلا فائدة من حاصل ذكاء مرتفع مقابل شخصية تفتقر إلى أبسط المهارات الاجتماعية اللازمة لتحقيق التواصل الجيد مع من حولها.
عن الكاتب
المزيد من الآراء
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا
