عادي
أشهر رسامي الحقبة السوفييتية

«الطفل الراسب» لبافلوفيتش... الفن يضيء على القيم

00:17 صباحا
قراءة 4 دقائق
12

الشارقة: علاء الدين محمود

كثير من الفنانين اتجهوا نحو المجتمع ورصدوا وقائعه، وما فيه من علاقات، وكانت أعمالهم بمثابة رفض لكثير من التقاليد السالبة، خاصة في ما يتعلق بالتربية والأخلاق والسلوك، حيث تحض لوحاتهم على المعاملة الحسنة والتقويم السليم للأطفال.

يعد فيدور بافلوفيتش ريشيتنيكوف، «1906 1988، من أشهر الرسامين الروس، عاش في الحقبة السوفييتية، وكان من أعلامها على مستوى الفنون والآداب، وهو ممن تبنوا المدرسة الواقعية الاشتراكية. درس في معهد موسكو للفنون من 1929-1934، وعمل كعضو في الأكاديمية الروسية للفنون، وحفظت أعماله في جاليري تريتيكوف في موسكو، والمتحف الروسي في سانت بطرسبرج، وغيرها من المعارض الفنية، لدوره الكبير في خدمة الفنون في بلاده، حصل على أرفع الجوائز في الحقبة السوفييتية، وكان من أكثر الفنانين شعبية.

قيم تربوية

لوحة «الطفل الراسب العائد من المدرسة»، والتي تحمل أيضاً اسم «علامات منخفضة»، رسمها ريشيتنيكوف، في عام 1952، وتنتمي إلى أسلوبيته واتجاهه الواقعي، وضرورة أن يعبر الفن عن قضايا وهموم المجتمع، بالتالي فإن اللوحة هي نتاج تلك الرؤى الفنية والفكرية التي حملها الرسام وموقفه تجاه التربية، وما يجب أن تكون عليه في أوساط الأسرة والمدرسة، والعمل يحمل رسائل قيمية أراد الرسام أن يوجهها إلى أفراد المجتمع.

وصف

اللوحة زيتية قام الفنان بتوزيع الألوان والإضاءة والخطوط بطريقة تعبّر عن الحالات النفسية لوجوه الأشخاص الذين تواجدوا داخل مشهد العمل، وهو عبارة عن تجمع لأسرة تستقبل أحد أفرادها، الصبي الصغير العائد من المدرسة بعد أن أخفق في الامتحانات، وحصل على نتيجة متدنية، في جميع المواد، ويقف الصبي بشعره الأشقر المجعد قبالة أسرته بملابس مهلهلة وأزرار مفككة، كأنه قد خرج من معركة لتوه، يبدو ذلك واضحا فيما يرتديه، كحذائه الأسود، والحقيبة المهترئة مع زوج من الزلاجات القديمة، ومن الواضح أن حقيبته قد تمزقت فقام بربطها بحبال، وكان الاحمرار واضحاً في أذني الطفل البارزتين من شدة البرد في الخارج، ويبدو رأسه منكساً بعض الشيء، ويحاول الصبي أن يبدو طبيعياً قدر الإمكان ليخفف من أثر النتيجة السيئة التي حصل عليها.حسرة

على الجانب الأيمن تجلس والدة الصبي التي يبدو أنها قد توقفت لتوّها عن أداء أعمالها المنزلية، وراحت تنظر إلى الصبي بنوع من الغضب والحسرة وهي تتمعن في وجهه الذي بدأ حزينا لكنه متوهج بفعل البرد، ومن خلال تفحصها في هيئة الصبي أدركت الأم أنه قد لعب في الشارع، وليس قلقاً بشأن علاماته الهابطة، فتشعر الأم بالقلق والتعب والانزعاج لأنها أدركت أن ابنها لا يبذل مجهوداً كافياً في التحصيل من أجل أن ينجح، فتضع يديها في حجرها، وهي في حيرة من أمرها ولا تعرف كيف تؤثر في طفلها الكسول الذي بدا وجهه بتعبيرات زائفة، كأنه نادم على النتيجة التي حصدها بينما هو في حقيقة الأمر لا يلقي بالاً.

توبيخ

يقف إلى جانب الأم الأخ الأصغر راكباً على دراجته وهو يضحك على أخيه ويبدو كأنه يعلم جيداً حقيقة ما جرى، فهو لا يخفي ابتسامة الشماتة، بينما تنهمك الأخت الكبرى في أداء واجباتها المدرسية على المنضدة، وتنظر نحو أخيها الراسب نظرات تحمل التوبيخ واللوم والسخرية على كسله ونتيجته السيئة.

براعة

برع الفنان في إظهار التعبيرات المختلفة في الوجوه، فالابن الراسب يبدو بملامح متناقضة، بينما الأم تبدو كاسفة البال، فيما ينظر الطفل الصغير بطريقة ماكرة وابتسامة صفراء، ويركز الرسام بصورة أكبر على الأخت الكبرى التي يبدو أنها لا توافق على سلوك أخيها الراسب، وهي ترتدي وشاحاً أحمر ويتم عرض شخصيتها في اللوحة بشكل بارز كصورة ظلية داكنة في مدخل مشرق، وتخلق النافذة الموجودة خلفها نمط إضاءة مزدوجاً وترمز إلى مستقبلها المشرق.

فرحة

ولعل رد فعل الأسرة المخيب للآمال يبدو متناقضاً بصورة كبيرة مع المشاعر الصادقة من قبل الكلب الذي يستقبل الابن الراسب بحرارة وفرحة كبيرة، فهو يقفز على صدره كأنما يدعوه للعب، فذلك الكلب هو صديقه الذي يحبه في كل الأحوال، سواء كان ناجحاً أو راسباً، وكأنما أراد الفنان من خلال هذه الحالة المشرقة الوحيدة في اللوحة؛ أي الكلب، أن يوجه رسالة للأسرة في كيفية التعامل مع طفل يملأه الشعور بالذنب والإحباط بسبب درجاته الدراسية المتدنية، ويوجه دعوة للتعلم من ذلك الكلب الوفي.

رؤية نقدية

وجد العمل كذلك احتفاء خاصاً من قبل التربويين والنقاد، خاصة أن العمل يعبّر عن التوجه الاجتماعي العام في ذلك الوقت، وقد ربطوا بينها وبين كثير من الأعمال الفنية والأدبية العظيمة وقارنوها بروايتي «الجريمة والعقاب»، و«المراهق»، للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي، لأنها تتناول الموضوع نفسه، وتحض على قيم تربوية جديدة، وتدعو إلى ضرورة احتضان الآخرين وعدم الشماتة بما أصابهم كما تؤكد تلك الأعمال أهمية الحب غير المشروط، كما تكتسب اللوحة أهمية خاصة بسبب المضامين والرسائل التي تحملها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"