«جيوكندا» نجيب محفوظ

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

اعترف نجيب محفوظ بأن حياته قبل أن يتزوج كانت بوهيمية، لكنه لم يستطع أن ينسى ما يعتبرها «قصة الحب الحقيقية الأولى» في حياته، وروى تلك القصة لرجاء النقاش في الحوارات التي أجراها الأخير معه، وضمّها كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ».
نشأت تلك القصة في حي العباسية حيث كانت عائلة محفوظ تقيم، وكان عمره، يومها، لم يتجاوز الثالثة عشرة، أما المحبوبة فكانت في العشرين من عمرها، ويمكن أن نعدّ قصة الحب تلك «افتراضية»، ومن طرف واحد، حيث لم يسبق أن التقى العاشق بمعشوقته عن قرب أبداً أو حادثها، وإنما كان يكتفي بالنظر إليها وهي تقف على شرفة شقة أهلها، المطلة على الساحة التي كان الفتى نجيب محفوظ يلعب فيها كرة القدم مع أقرانه.
يقول محفوظ إن وجه الفتاة الساحر شدّه، حيث رأى ذلك الوجه أشبه بلوحة «الجيوكندا» التي تجذب إليها الناظر من اللحظة الأولى، وإضافة إلى جمالها فإنها كانت مختلفة عن كل البنات اللائي عرفهن قبلها، فلم تكن فتاة تقليدية مثل بنات العباسية؛ بل كانت أميل إلى الطابع الأوروبي في مظهرها وتحركاتها، وهو ما لم يكن مألوفاً آنذاك.
استمرّ ذلك الحب الصامت لمدة عام كامل، حتى تزوجت الفتاة وانتقلت إلى بيتها الجديد، فشعر الفتى العاشق بحزن شديد، واحتاج إلى وقت غير قصير كي يخفت ذلك الحب وتنطفئ نيرانه، خاصة بعد تخرّجه في الجامعة.
ثمة اعترافان أخيران على صلة بهذه الحكاية أوردهما محفوظ؛ الأول هو أن روايته «قصر الشوق» كانت تصويراً لحكاية الحب هذه، مع تعديلات تتفق مع الإطار العام الذي وضعه للرواية، وأن شخصية كمال عبد الجواد في تلك الرواية تتشابه إلى حد كبير مع شخصيته هو، مع فارق أن كمال استطاع الوصول إلى حبيبته.
الاعتراف الثاني لمحفوظ جاء في حديثه عن لقاء جمعه بعد سنوات طويلة، مع شقيقة الفتاة المحبوبة في مصيف رأس البر، حيث فوجئ بتلك الشقيقة في نفس المصيف صحبة أسرتها، وكان بين الأسرة شخص يعرفه، فوجدها فرصة سانحة ليتحدث معهم. وكما لم يجرؤ محفوظ على البوح بحبه لمحبوبته، فإنه لم يجرؤ أيضاً على سؤال من التقاهم عنها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"