كنوز المعرفة

23:23 مساء
قراءة 3 دقائق

د. باسمة يونس

أكثر سؤال مطروح هو «من أين أبدأ بالقراءة؟»، لكن المؤسف أن تتجاهل أغلب الردود كنوز المعرفة وذخائر التراث فلا تشجع على البدء بقراءة أمهات الكتب ولا تدعم ذلك بتأكيد أهمية قراءة أول ما كتبه شخص آخر حول مجال أو حقل معرفي من أي نوع لم يكن يعرف عنه أحد، ولا تصور له معنى الوقوف أمام بوابة التاريخ ليشهد بداية المغامرة التاريخية المستمرة عبر ثقافات نسجت ولا تزال تنسج طريقها في جميع أنحاء العالم.

وكما تقدم أمهات الكتب من المعارف ما تعجز عنها كتب اليوم، فهي تثير الاهتمام من ناحية كونها البناء الأساس للعلم والمستقاة مباشرة من مختبرات الحياة الحيوية، قبل أن تتناقلها الأفكار وتعجنها الحياة وتعقدها بكثرة التداول والبحث وفرض آراء ورؤى ساقت لها أفكارا تمازجت وتخالطت عبر السنين

وعن أمهات الكتب قال ابن خلدون «سمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول فن الأدب وأركانه أربعة دواوين، كتاب الكامل للمبرد وأدب الكاتب لابن قتيبة وكتاب البيان والتبيين للجاحظ وكتاب الأمالي لأبي على القالي البغدادي، وما سوى هذه الكتب الأربعة فتبع لها وفروع منها».

ويبدو الأمر مدهشاً أن ندرك أنه يمكننا فعلاً قراءة الأفكار التي خطرت يوماً على بال كاتب مثل الجاحظ أو البغدادي وصاغها لأجلنا بعناية وتباهى بتسطيرها بدأب إلى أن اكتملت نصوصها وعبرت الأزمنة والعصور، لتصل إلينا كمغامرة ورؤى فكر كاتب تفصلنا عنه آلاف السنين ومئات القرون لكننا لا نفعل ذلك.

فماذا لو لم يترك لنا المثقفون الأوائل كتباً نستطيع الرجوع إليها ومن خلالها نتواصل مع المعارف التي نجهلها ونعود لنبدأ من أسس العلم وبداياته ونتعرف على مجالات لم تخطر على بال من سبقوهم وعلوم لم يتم تدارسها من قبلهم؟.

وماذا لو لم تكن لدينا كتب نأخذ منها العلم ونحن مطمئنين لها واثقين منها ومما تحويه كونها الكتب العربية الأساسية التي لا يستغني عنها المثقفون والباحثون وطلبة العلم في أكثر من مجال أدبي وفكري وعلمي؟.

وماذا لو لم تكن لدينا كتب شق مؤلفوها طرقاً جديدة وطرحوا أفكارا غير مسبوقة نحو مجال غير مطروق وعلوم لم تكن معروفة أو واضحة للناس، وقدموا للمؤلفين من بعدهم الخيط الأول للمضي على نهجه وخوض غمار البحث والدراسة لتصبح الفكرة أصلاً لفروع وتتراكم الرؤى والأفكار وتكبر لتصبح مناهج ونظريات ودروساً تحث الإنسان على المزيد من التفكير والبحث والمعرفة؟

فهل كنا سنصل إلى ما وصلنا اليه اليوم ونمتلك من المعارف ما لدينا؟، وهل كان أسلافنا سيعبرون الأزمنة والعصور والقرون وينتقلون بين الحضارات لو لم يحملوا معهم نتاج علوم الأسلاف ويمضوا على طريقهم لبناء أفكار ورؤى حاضرهم ومستقبلهم؟

ألا يدل وصف الكتب بالأمهات على ريادتها وعظم شأنها وبأنها كانت ومازالت أصل المعرفة وقراءتها تعني بناء ثقافة الأجيال ودعم هويتهم بالموروث العربي الزاخر بالملهمين والفلاسفة والمؤلفين الباحثين؟، ألا يكفي أن مؤلفيها قد جاهدوا وثابروا في حقول المعارف وخاضوا مختبراتها الحقيقية لينقلوا لنا ما لم نره فلا يعتمدون فيها على آراء غيرهم، بل أصبحت هي البذرة الأساسية والغرس الأول لكل كتاب ولد من بعدهم؟

إن الكتب والقراءة جزءاً من هويتنا البشرية بلا شك ما يجعله أمراً مهماً أن تسعى المؤسسات التعليمية والثقافية إلى ابتكار وسائل تشجع الشباب على قراءة أمهات الكتب، طالما لم يحظوا بالفرص التي حظي بها أسلافهم بوجود مكتبات منزلية عامرة بأمهات الكتب كانت تشبع رغبة وشغف كل قارئ لديه فضول اغتنام المعرفة من أصولها.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"