لعبة النجم والسجق

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

هل بعد هذا دليل على أن الدعابة أشدّ جدّية من الجدّ؟ فيها دروس لا يقدر على تلقينها الخطاب المباشر، لأن الوقوع في الفخ برهان قاطع ينتفي معه الادعاء مثلاً: لو كنت أنا، ما وقعت في الأحبولة. عالم الفيزياء الفلكية الذي يحمل دكتوراه في فلسفة العلوم، الفرنسي إيتيان كلاين، نشر في يوليو الماضي تغريدة مع صورة لأقرب نجم إلى شمسنا، قنطور الأقرب (بروكسيما سنتوري)، الذي يبعد عن نجمنا 4.2 سنة ضوئية، على أنها من روائع الصور التي التقطها المقراب الفضائي «جيمس ويب».
الرجل لديه آلاف المتابعين، وهو مدير لجنة الطاقات البديلة والطاقة الذرية الفرنسية، وله برنامج إذاعي في «فرنسا الثقافية» (فرانس كولتور)، ومجموعة كتب في تبسيط العلوم. علّق على الصورة: «لقد التقطها تلسكوب جيمس ويب الفضائي. إنه مستوى رفيع من التفاصيل. عالم جديد يتكشّف يوماً فيوماً». الصورة بليغة، من تلك البلاغة التي يحذّر منها الناقد الفرنسي رولان بارت، لأنها تصرف الذهن عن الصورة الواقعية، فما كان من الآلاف من متابعيه، إلاّ أن أعادوا نشر التغريدة مع الصورة، مضيفين ما جادت به قرائحهم من الافتتان بسحر الكون. حين تكون علاقة المتلقي بعلماء، فإن القاعدة هي: «لا يُفتى ومالك بالمدينة».
قبل بضعة أيام اعتذر إيتيان كلاين لمتابعيه قائلاً: «إنها كانت مزحة، فالصورة ليست لبروكسيما سنتوري، وإنما لشريحة متواضعة من السجق الإسبانية». في الاعتذار أيضاً دعابة، قال: «طبقاً للفيزياء الفلكية المعاصرة، لا وجود، على ما يبدو، لشيء من قبيل السجق والنقانق الإسبانية، خارج الأرض».
أمّا الدرس القيّم، فيتمثّل في قوله: «غايتي كانت أن نحمل أنفسنا على الشك في أدلة الأشخاص الذين لهم مكانة في مجالاتهم، وأن نحذر الوقوع في بلاغة بعض الصور».
 للأسف، لدينا من قال كلاماً أعمق وأجلى من هذا، قبل ألف عام، ولكن لم يعمل بحكمته الناس، فأبو العلاء لا مزيد عليه: «كذب الظن لا إمام سوى العقل مشيراً في صبحه والمساءِ»، غير أن أمير الشعراء يكشف لنا العلة، كأنه يهمس في أذن المعري: «لقد أنلتك أذناً غير واعية.. وربّ منتصتٍ والقلب في صممِ».
قبل أبي العلاء نزل في القرآن الكريم: «الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه» (الزمر 18). يقظة العقل الناقد.
لزوم ما يلزم: النتيجة المطبخية: ما رأيك، أليست المسافة بعيدة إلى حدّ ما، بين قرص رغيف الشمس، وسجق بروكسيما سنتوري؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"