عادي
بنوك مركزية ترفع الفائدة لكبحه

الركود التضخمي.. كابوس الاقتصاد العالمي

22:38 مساء
قراءة 8 دقائق

دبي: محمد عباس

أدى ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية غير متوقعة بفعل جائحة «كورونا» والحرب الروسية الأوكرانية، إلى إرباك الحكومات حول العالم.

وفي الوقت الذي اختارت بنوك مركزية رفع أسعار الفائدة لكبح التضخم، لجأت أخرى إلى خفض قيمة عملاتها لجذب الاستثمارات الأجنبية، وحددت أخرى سقوفاً لأسعار العملات، فيما قدمت بنوك حزم دعم للمصارف المحلية لتشجيع الاقتراض، بينما أعلنت حكومات عن خطتها للإفراج عن مخزونها الاستراتيجي من السلع الأساسية لتخفيض الأسعار عالمياً.

وتزامن ارتفاع معدلات التضخم مع ارتفاع أسعار المواد الخام والطاقة والغذاء، ما أنهك دولاً كثيرة تعتمد في اقتصادها على واردات السلع الاستراتيجية.

لجأت معظم البنوك المركزية إلى تشديد السياسة النقدية برفع معدلات الفائدة، لامتصاص السيولة من الأسواق وإغراء الأفراد بالفائدة المرتفعة، إذ عندما يقل الإنفاق على السلع والخدمات، تتراجع أسعارها، وبالتبعية، ينخفض التضخم، لكن النتيجة كانت عكسية، نجد أن معدل البطالة ارتفع والاقتصاد شهد تباطؤاً في النمو، كما أن التضخم يرتفع بوتيرة مستمرة، مما يدفع الأسواق العالمية بقوة نحو الركود التضخمي المحتمل.

خلال ال18 شهراً الماضية مرت معدلات التضخم بتغيرات دراماتيكية، إذ ارتفعت أسعار الفائدة بشدة في عام 2021، حيث بالغت الولايات المتحدة في تحفيز اقتصادها استجابة لوباء كوفيد -19، ما أدى إلى حدوث تضخم ليس داخل حدودها فحسب، بل خارجها أيضاً، كما فاقمت محاولات الصين للقضاء على وباء كورونا عبر الإغلاق هذه المشكلات.

في الوقت ذاته، صعدت أسعار النفط مع عودة عجلة الاقتصاد للدوران مجدداً، واستمر الصعود حتى لامست مستويات لم تعرفها في 8 سنوات، وقفزت أسعار النفط إلى أعلى مستوى سنوي جديد (130.5 دولار) في مارس، وسط الاضطرابات التي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية.

ويعد النفط ضمن أهم السلع في العالم، إذ يسهم ارتفاع أسعار النفط في التضخم حتى قبل الوباء، لكن الوضع مع الحرب الروسية الأوكرانية زاد سوءاً، فتراجعت أسواق الأسهم والسندات وصعدت سوق النفط وانتعشت سوق المعادن الثمينة.

الولايات المتحدة

بدأ الاقتصاد الأمريكي يتباطأ، ممهداً لوقف ارتفاع الأسعار، حيث تقلص إجمالي الناتج المحلي الأمريكي مجدداً في الربع الثاني من عام 2022 بنسبة 0.9% بوتيرة سنوية، بعدما تراجع بنسبة 1.6% في الربع الأول. وتسارع التضخم مجدداً في الولايات المتحدة خلال يونيو/ حزيران بعدما بقي مستقراً في مايو/أيار، وفق مؤشر نفقات الاستهلاك الفردي الذي نشرته وزارة التجارة.

وعكس هذا المؤشر الذي يدخل في حساب نسبة التضخم والذي يرتكز إليه الاحتياطي الفيدرالي، ارتفاعاً في الأسعار بنسبة 6.8% بالمقارنة مع يونيو/ حزيران 2021. و1.0% بالمقارنة مع مايو/ أيار، وذلك على وقع ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية.

وكان مؤشر آخر هو مؤشر أسعار المستهلك الذي تنشره وزارة العمل ويستخدم بصورة خاصة لاحتساب المعاشات التقاعدية، أظهر ارتفاعاً في الأسعار بنسبة 9.1% في يونيو/ حزيران بوتيرة سنوية. من جهة أخرى، ازداد إنفاق الأسر أيضاً في يونيو/ حزيران بنسبة 1.1% على وقع نفقات الطاقة والمساكن والعناية الصحية.

فرنسا

سجلت أسعار المستهلكين في فرنسا خلال شهر يوليو الجاري معدل قياسي جديد في ظل ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.

وبحسب بيانات أولية، أعلن مكتب الإحصاء الفرنسي (إينسي) أن أسعار المستهلكين ارتفعت في يوليو بنسبة سنوية بلغت 6.1%، مقابل 5.8% في يونيو، فيما كان خبراء الاقتصاد يتوقعون أن تصل نسبة الزيادة إلى 6%.

وجاء الاتجاه الصعودي في أسعار المستهلكين مدفوعاً إلى حد كبير بزيادة نسبتها 28.7% في تكاليف الطاقة و6.7% في أسعار المواد الغذائية. وتسبب ارتفاع أسعار الخدمات المرتبط بفصل الصيف أيضاً في ارتفاع الأسعار بشكل عام في يوليو. وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار في يوليو 0.3% مقابل زيادة نسبتها 0.7% في الشهر السابق عليه، بالاتفاق مع التوقعات.

وكما ارتفع التضخم المنسق للاتحاد الأوروبي إلى معدل قياسي جديد بلغ 6.8% في يوليو مقابل 6.5% في يونيو، وكانت النسبة المتوقعة تبلغ 6.7%. وعلى أساس شهري، ارتفع المؤشر المنسق لأسعار المستهلكين في يوليو 0.3% في يوليو مقارنة بالشهر السابق عليه عندما زاد بنسبة 0.9% وجاءت النسبة متفقة مع توقعات خبراء الاقتصاد.

المملكة المتحدة

وفي المملكة المتحدة، سجل التضخم في المملكة المتحدة أعلى مستوى له في 40 عاماً في يونيو/ حزيران الفائت مع استمرار أسعار الغذاء والطاقة في الارتفاع، ما أدى إلى تصاعد أزمة كُلفة المعيشة التاريخية في البلاد.

وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين البريطاني بنسبة 9.4%، وفقاً للتقديرات الصادرة، الأربعاء، عن مكتب الإحصاءات الوطنية في البلاد، وبارتفاع من 9.1% في مايو/أيار. وقال المكتب: إن أهم العوامل التي أسهمت في ارتفاع معدل التضخم كانت أسعار وقود السيارات التي حلقت بنسبة 42.3% على مدار العام، وهو أعلى معدل منذ ما قبل بداية السلسلة التاريخية المبنية في عام 1989، إضافة إلى المواد الغذائية.

زيادة 50 نقطة أساس

بنك إنجلترا نفّذ 5 ارتفاعات متتالية بمقدار 25 نقطة أساس في أسعار الفائدة؛ حيث يتطلع إلى كبح جماح التضخم، لكن المحافظ أندرو بيلي اقترح في وقت سابق إمكانية أن تنظر لجنة السياسة النقدية في زيادة إضافية بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماع السياسة في أغسطس/آب المقبل. وهذا من شأنه أن يشكل أكبر زيادة فردية في أسعار الفائدة في البلاد منذ ما يقرب من 30 عاماً.

ورفع بنك انجلترا مؤخراً معدّل الفائدة 50 نقطة أساس في أعلى زيادة منذ عام 1995 وتوقع أن يبلغ معدّل التضخم 13% في وقت لاحق من العام الحالي عندما سيدخل الاقتصاد البريطاني في ركود لمدة عام. وهذه الزيادة المتوقعة أصلًا هي السادسة على التوالي التي يقرّها المصرف المركزي منذ أن بدأ في كانون الأول/ ديسمبر رفع تكلفة الاقتراض من نسبة منخفضة قياسية أعلى من الصفر بقليل إلى 1.75% حالياً. ومثل هذه الخطوة من شأنها أن ترفع تكاليف الاقتراض إلى 1.75% حيث يكافح البنك التضخم المتصاعد.

ألمانيا

أما ألمانيا، فقد أعلن المكتب الاتحادي للإحصاء في مدينة فيسبادن الألمانية استناداً إلى تقدير أولي أن معدل التضخم في ألمانيا وصل إلى 7.5% في تموز/يوليو مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. وكان معدل التضخم وصل إلى 7.6% في حزيران/ يونيو الماضي وإلى 7.9% في أيار/ مايو الماضي.

وتأتي قفزات أسعار الطاقة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار المواد الغذائية في طليعة العوامل التي تؤجج التضخم في أكبر اقتصاد في أوروبا. وارتفعت أسعار الطاقة في الشهر الجاري على أساس سنوي بنسبة 35.7%، فيما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 14.8%.

وتعد المعدلات المرتفعة للتضخم بمثابة مادة متفجرة اجتماعياً؛ إذ تشير دراسات إلى أن هذه المعدلات المرتفعة تؤثر بقوة في الأسر ذات الدخول الضعيفة بصورة أعلى من المتوسط.

سيرلانكا

ارتفع المؤشر الوطني لسعر المستهلك في سيرلانكا بنسبة 33.8% على أساس سنوي في نيسان/إبريل، أي أكثر من ستة أضعاف معدّل التضخّم في العام السابق والبالغ 5.5%. وبلغ معدل التضخم السنوي للمواد الغذائية 45.1%، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن دائرة تعداد السكان والإحصاء.

ومنذ شهور يعاني سكّان البلاد البالغ عددهم 22 مليون نسمة، بسبب شحّ العملات الأجنبية، من نقص حادّ في المواد الأساسية، بما في ذلك الغذاء والأدوية. قادت الأزمة الاقتصادية في البلاد، مع فقدان الاحتياطيات النقدية الأجنبية، إلى احتجاجات صاخبة، أدت في نهاية المطاف إلى إطاحة حكم الرئيس غوتابايا راجاباكسا، في وقت سابق من يوليو 2022. وكان ويكرمسينغه يشغل منصب رئيس الوزراء في ظل حكم راجاباكسا، وأجبر هو الآخر أن يتنحى عن منصبه في خضم الاحتجاجات.

وبدأت الأزمة الاقتصادية في سيرلانكا نتيجة الهجمات الإرهابية التي ضربت البلاد في عام 2019، إذ عصفت بقطاع السياحة المهم للبلاد، ثم تفاقمت الأزمة مع جائحة كورونا، واستفحلت مع سياسات غوتابايا، التي تمحورت حول إقرار تخفيضات ضريبية كبيرة، ما حرم البلاد من عائدات مالية كبيرة.

اليابان

قفز مقياس التضخم الرئيسي في اليابان بأكثر من المستوى المستهدف من بنك اليابان المركزي عند 2%، في يونيو، للشهر الثالث على التوالي، حيث يواجه الاقتصاد ضغوطاً من ارتفاع أسعار الخامات العالمية التي أدت لزيادة تكلفة واردات البلاد.

وأظهرت بيانات حكومية، أن معدل التضخم الأساسي لأسعار المستهلك في اليابان والذي يستثني المواد الغذائية الطازجة ارتفع في يونيو الماضي إلى 2.2% على أساس سنوي.

وكان معدل التضخم الأساسي سجل 2.1% خلال شهري مايو وإبريل الماضيين. الارتفاع الأخير في أسعار المستهلكين تتحدى وجهة نظر البنك المركزي الياباني، الذي يرى أن معدلات التضخم في ثالث أكبر اقتصاد في العالم ستظل مؤقتة إلى حد ما، حتى مع قلق الأسر من ارتفاع تكاليف المعيشة.

إسبانيا

ارتفع معدل التضخم في إسبانيا لنسبة 10.8% ليسجل رقماً قياسياً من جديد لم تشهدها البلاد منذ 37 عاماً تقريبا، حسبما قالت صحيفة «لابانجورديا» الإسبانية.

وأشارت الصحيفة إلى أن البيانات الحالية تمثل أعلى رقم وصلت إليه إسبانيا منذ سبتمبر 1985، وهذا النمو يؤثر بشكل كبير في المستثمرين في الأسواق التقليدية، وفقاً للبيانات التي قدمتها اللجنة الوطنية لسوق الأوراق المالية في إسبانيا.

وعلى الرغم من التضخم، فإن عائدات السندات الإسبانية لا تنمو كثيراً حتى الآن، وذلك نظراً لأن البنك المركزي الأوروبي يواصل شراء السندات الإسبانية، مما يخلق طلباً مصطنعاً عليها ويخفض سعر الفائدة. وارتفع التضخم السنوي إلى 2.10% في شهر يونيو الماضي مسجلاً أعلى المستويات منذ 37 عاماً ارتفاعاً من 8.7% في شهر مايو الماضي علماً أنه سجل 3.8% في إبريل الماضي بعدما كان قد بلغ 9.8% في مارس السابق له.

تركيا

قفز معدل التضخم في تركيا إلى أعلى مستوى له في 24 عاماً عند 79.6% في يوليو، إذ أدى استمرار ضعف الليرة وارتفاع تكاليف الطاقة والسلع العالمية إلى زيادة الأسعار، على الرغم من أنها جاءت دون التوقعات. وبدأ التضخم في الارتفاع في الخريف الماضي، عندما تراجعت الليرة بعد أن خفض البنك المركزي تدريجيا سعر الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس إلى 14% ضمن دورة التيسير النقدي التي سعى إليها الرئيس رجب طيب أردوغان.

وذكر معهد الإحصاء التركي، أن أسعار المستهلكين ارتفعت بنسبة 2.37% على أساس شهري في يوليو، وهو ما جاء دون التوقعات في استطلاع لوكالة رويترز البالغة 2.9%. وتوقع الاستطلاع أن يبلغ تضخم أسعار المستهلكين سنوياً 80.5%.

وأظهر قطاع النقل أكبر ارتفاع سنوي في أسعار المستهلكين بارتفاع 119%، في حين قفزت أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 94.65%.

وزاد التضخم هذا العام بسبب التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن استمرار انخفاض الليرة. وتراجعت العملة التركية بنسبة 44% مقابل الدولار العام الماضي، وانخفضت بنسبة 27 أخرى هذا العام. وسجل التضخم السنوي حالياً أعلى مستوى له منذ سبتمبر 1998، عندما بلغ 80.4%.

سوابق تاريخية

ظهر الركود التضخمي في الولايات المتحدة الأمريكية عقب حظر النفط في عام 1973، حينها، تعرضت البلاد لتضخم مرتفع وتباطؤ في النمو الاقتصادي في نفس الوقت، وهو سيناريو ظن الكثيرون عدم إمكانية حدوثه.

ومن أشهر أسباب حدوث الركود التضخمي ضعف الإنتاجية بسبب أزمات كالكوارث الطبيعية والحروب والأوبئة والإفراط في إتاحة المعروض النقدي، وكذلك ارتفاع أسعار المواد الخام والطاقة والغذاء، وفي أوقات الركود التضخمي، تتفشى البطالة، ويقل مستوى الدخل، وينخفض مستوى المعيشة للأسر، وتظهر حالات إفلاس بين الشركات لزيادة المديونيات، وبالتبعية، تقل وتيرة التوظيف.

في عام 1973، اتجه الفيدرالي الأمريكي إلى خفض الفائدة عندما لاحظ ضعف بيانات النمو الاقتصادي من 11% إلى 9%، لكن في نفس الوقت، واصل التضخم ارتفاعه ليخرج عن السيطرة، وقفز عام 1974 إلى 12.2% ثم إلى 13.3% عام 1979.

وجهت الانتقادات والهجوم اللاذع آنذاك ضد الاحتياطي الفيدرالي بسبب سياساته التي دفعت البلاد نحو الركود التضخمي، أي تباطؤ في النمو وزيادة في الأسعار في آن واحد. وعلق الرئيس الأمريكي جيمي كارتر وقتها على الأزمة، قائلاً: «إن الفيدرالي فقد مصداقيته بالنسبة للكثيرين نتيجة سياساته الخاطئة». هذا الفشل أحدث أيضاً تغييراً تحويلياً في القواعد التي توجّه السياسات النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، والبنوك المركزية الأخرى حول العالم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"