ثمانون عاماً في مهبّ الريح

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يحتاج السؤال إلى جرأة؟ هل كانت الموسيقى العربية في مستوى «مؤتمر الموسيقى العربية 1932»؟ فكرة المؤتمر يعود الفضل فيها إلى الموسيقي الراحل الكبير محمود أحمد الحفني، الذي درس الموسيقى في ألمانيا، ورجع إلى موطنه مصر وفي خياله فردوس مفقود: نهضة موسيقية عربية. لعله ودّع الدنيا وهو يهمهم: «أنا من ضيّع في الأوهام عمره».
بإمكانات ذلك العهد، كانت له موهبة علاقات عامة فذة. أمّا عشرات المشاركين من المشارق والمغارب، فعشقهم للموسيقى وإخلاصهم للبحث العلمي في الفنون وصدق ما يكنونه للموسيقى العربية والشرقية، لا مراء فيها. بماذا كافأتهم موسيقانا طوال ثمانية عقود من إهمال مجريات المؤتمر؟
التراجيكوميديا هي أن العرب لو قرروا أن يقيموا مؤتمراً للموسيقى العربية، شبيهاً بمؤتمر عام 32، فإنهم سيُصدمون بتاسع المستحيلات: لم يعد في أوروبا والغرب علماء موسيقى ومؤلفون موسيقيون كبار، لهم علاقة فكرية وروحية بالموسيقى العربية. البارون ديرلانجيه، ألّف خمسة مجلدات في الموسيقى العربية، أقام طويلاً في «سيدي بوسعيد» في تونس. المجريّ بيلا بارتوك أيضاً أقام في تونس. من أين تأتي اليوم بمؤلف موسيقي مؤرخ للموسيقى العالمية في قامة كورت زاكس؟ مصر نفسها لم يعد فيها موسيقار في قامة محمد عبد الوهاب. ذلك المؤتمر حضرته وأنارته وتألقت فيه مصابيح لا يجود الزمن بمثلها. فرصة ليس لها ثانية.
فكرة المؤتمر ومضة عبقرية، تنفيذها قبل ثمانين سنة خيال علمي. لا شك في أن محمود أحمد الحفني عاد من ألمانيا وفي ذهنه نموذج فكري مختلف، تصوّر استشرافي للموسيقى العربية لا علاقة له بالواقع آنذاك. من هنا علينا أن نتخيل مشاعره طوال إحدى وأربعين سنة قضاها بعد المؤتمر (توفي عام 1973). لكن، يجب أن ندرك صعوبة التطوير في العالم العربي. من يبدع فكرة مؤتمر كهذا، لا يمكن ألاّ يكافح طويلاً في سبيل رؤية ثمارها. لكن، من خلال كثرة كتبه ندرك أنه أغرق نفسه في مؤلفات بعضها سير لبيتهوفن، سيد درويش، زرياب.. وبعضها تحقيق مثل «الموسيقي الكبير» للفارابي، أو تعريف بالآلات الموسيقية. هل كان ذلك هرباً من كوابيس إخفاق مشروع رؤيا النهضة الموسيقية العربية؟
 لزوم ما يلزم: النتيجة الزغلولية: هل قال الحفني لزوجته في لحظة الوداع، مردداً مقولة سعد زغلول: «مفيش فايدة، غطيني يا صفية»؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"