عادي
200 مليون دولار كلفة إنتاجه

«ذا جراي مان».. حرب بلهاء

23:34 مساء
قراءة 5 دقائق
استخدام كل وسائل النقل المتاحة
آنا دي أرماس وجود أنثوي لطيف

مارلين سلوم
حين يحرص صناع فيلم ما، على تدوين عبارة «مأخوذ عن رواية..»، فإنما هدفهم جذب الجمهور وكسب ودّه، إذ يعلمون أن للروايات سحراً وتأثيراً كبيراً على الناس، ولا بد أن الاستعانة بإحداها يضمن ولو جزءاً من نجاح الفيلم؛ لكن ليست كل الروايات ناجحة ولا كلها يمكن قراءته والتصفيق له. ويبدو أن الرواية التي كتبها مارك جريني وتحولت إلى فيلم بعنوان «ذا جراي مان» تبنت إنتاجه «نتفليكس» فعرضته في الصالات السينمائية أولاً ثم أطلقته عبر منصتها، هو من هذه النوعية الخالية من أي دسم، وتستغرب أن تكون «نتفليكس» خصصت لإنتاجه 200 مليون دولار من أجل تقديم حرب بلهاء مفتعلة بسذاجة وتفتقر إلى المنطق والمضمون!

200 مليون دولار أمريكي هو رقم ضخم، فأي عمل سينمائي يستحق هذا المبلغ؟ لا بد أن يكون ملحمة أو فيلماً تاريخياً أو خيالاً علمياً، لكن حين تشاهد «الرجل الرمادي» أي «ذا جراي مان» تصاب بالصدمة إذا قارنته بالمبلغ المخصص له، وتشعر بأن من صنع الفيلم أراد أن يستهلك كل المبلغ في أوهام واستعراض بطولات قتالية لا يصدقها الأطفال ولا يستمتع بها الكبار، تماماً كمن يبيع الريح للناس، ضجيجاً وضوضاء وجعجعة بلا طحن.

لا تتوقع أن يكون هذا الفيلم من إخراج أنتوني وجو روسو، مخرجي «أفنجرز» عامي 2018 و2019، و«كابتن أمريكا» 2014 و2016.. وقد تشارك في كتابته جو روسو مع كريستوفر ماركوس وستيفان ماكفلي؛ لأن من يقدم الخيال العلمي يدرك جيداً أنه يقدم قصصاً خيالية لا تصدق، وأن الجمهور يعلم جيداً أنها بعيدة عن الواقع ولا يمكن حصولها في الحياة، وكأنه اتفاق مبرم بين الجمهور وصناع الفيلم لإتمام الصفقة بالتراضي بين البائع والمشتري.

الرقص على السلالم

يأتي فيلم «ذا جراي مان» راقصاً على السلالم، يستند إلى قصة لا خيال علمي فيها، ويسخّر في خدمتها كل وسائل القتال اللامنطقية واللاواقعية، أبطاله لا يُحرقون ولا يغرقون ولا يتألمون، خارقون، يطعنون بالسكاكين أكثر من مرة في أكثر من مكان في البدن ويواصلون القتال ويتعافون سريعاً، يقفزون ويسقطون ويحلّقون ويفعلون كل ما يفعله أبطال القصص الخرافية وحكايات الطفولة ونجوم مارفل و«دي سي» الخارقين للطبيعة البشرية.. وفي نفس الوقت يقدمهم لك الفيلم باعتبارهم عملاء (بعضهم سابقون وبعضهم حاليون) في وكالة المخابرات الأمريكية «سي آي إيه»!

رايان جوسلينج وكريس إيفانز بطلان يستطيعان جذب الجمهور خصوصاً المراهقين والشباب، لكن الأسماء والوجوه وحدها لا تكفي، فما فائدة وجود بطلين محبوبين لقصة لا ملامح محددة لها ويمكن اختصارها بسطرين أو أقل؟ والأنكى أن تجد البطلين يتصارعان ليقضي أحدهما على الآخر ولا تجد بداخلك انحيازاً أو حزناً على خسارة هذا البطل أو ذاك، مثل الحيرة التي تشعر بها مثلاً وأنت تشاهد فيلم «هيت» (1995) حيث الصراع بين روبرت دي نيرو وآل باتشينو، وحيث تجد نفسك تتعاطف مع الشرير بالإضافة إلى الخيّر رغماً عنك وتستمتع بالمطاردة المستمرة بين البطلين. أما في «الرجل الرمادي»، فالصراع عنيف جداً ظاهرياً وكأنك في حلبة ألعاب نارية أو في حرب عسكرية مجنونة تندلع بلا أسباب مقنعة، وبارد جداً مضموناً لا يعطيك سبباً مقنعاً أو قضية ما تتعاطف معها وتجد مبرراً لما يحصل داخل وكالة المخابرات السرية وبين عملاء سابقين وحاليين؛ معركة تستمر لنحو ساعتين من أجل الحصول على سلسلة بداخلها شريحة تتضمن تسجيلاً بالفيديو يؤكد فساد مسؤول حالي في الوكالة اسمه كارمايكل (ريجيه جان باج)، لذا يطلب هذا الأخير من العميل «سييرا سيكس» (جوسلينج) قتل العميل السابق «سييرا فور»، تعاونه في المهمة العميلة داني ميرندا (آنا دي أرماس) التي تختار لاحقاً أن تستمر في دعم سيكس الذي رفض الانصياع لأوامر كارمايكل حين عرف الغاية من وراء قتل أحد زملائه، ما يدفع بكارمايكل إلى تسخير كل أجهزته من أجل القضاء على سيكس، ويلجأ لاحقاً إلى العميل لويد هانسن (كريس إيفانز) المشهور بإجرامه ووحشيته.

عنف مقزّز

تزداد المعركة شراسة ويتعمد المخرجان تمرير مشاهد عنف بعضها مقزّز مثل مشهد نزع أظفار فيتزوري من أجل إجباره على تسليم سيكس للويد، مادام اختطاف ابنة أخيه الشابة كلير التي تعاني منذ ولادتها عدم انتظام ضربات القلب لم يكن كافياً.

من الأقوى جوسلينج أم إيفانز؟ الأول يكسب تعاطف الجمهور بسبب ملامحه المائلة إلى الرومانسية، رغم محاولة الفيلم جعله قاتلاً بلا مشاعر، ويستبعد من القصة كل العلاقات الرومانسية والعاطفية ويبقي فقط على علاقة إنسانية بسبب وجود الشابة كلير، بينما إيفانز يلعب دور الرجل الأشرس بلا رحمة ولا رأفة، والمواجهة بين النجمين جوسلينج وإيفانز تبدو في النهاية كتمثيلية لا يمكنك التفاعل معها لأنها غير قابلة للتصديق، إيفانز في مرحلة ما يبدو استعراضياً، بينما جوسلينج أكثر حيوية، وكلاهما يتقاتلان وكأنها معركة آلات روبوتية.

إخراج فضفاض

الميزانية أكبر من حجم القصة ومتطلبات تنفيذها على الشاشة، لذلك بدا الإخراج فضفاضاً جداً، لدرجة أنك تشعر بأن هناك من يهدر الأموال ليحشو الفيلم بأي شيء وبكل ما يخطر ببالك من مستلزمات ال«أكشن» والحروب والعنف والمطاردات والمغامرات.. بطولات مفتعلة لا يتعب فيها البطل ولا يلهث مهما ركض، وينهض من أي سقطة عن ارتفاع شاهق وكأن شيئاً لم يكن، حتى آنا دي أرماس فولاذية لا تُقهر ولا تُقتل، علماً أن وجودها في الفيلم هو مجرد حضور أنثوي يعطّر الأجواء بجانب الرجلين البطلين، وهي لا تقدم ولا تؤخر، أي أن شخصيتها غير مؤثرة في الأحداث.
فيلم رمادي
مثل عنوانه، يبدو «ذا جراي مان» فيلماً رمادي اللون، لا هو خيال علمي مثل سلسلة «أفنجرز» ولا هو «أكشن» وجاسوسية مثل سلسلة «جيمس بوند» و«مهمة مستحيلة»، حتى القتال مبالغ فيه لدرجة تجعلك تضحك وكأنك أمام فيلم كوميدي، ولا تفهم لماذا تعمد المخرجان الأخوان روسو استخدام كل وسائل القتال أيضاً وبشكل مبالغ فيه بحيث لم يعد ينقص سوى إطلاق قنبلة نووية، كذلك يشتتان الجمهور بالانتقال السريع بلا سبب منطقي ولا داع حقيقي من بلد إلى آخر لدرجة أنك لا تستطيع إحصاء عدد المدن التي يتم ذكرها على الشاشة، فلوريدا، بانكوك، أذربيجان، موناكو، تركيا، فيينا، كرواتيا، فرجينيا، واشنطن وغيرها.. وفي كل مدينة يترك البطل بصمة مدمرة، معارك بل حروب تدور فتقضي على مبان ومعالم وتقتحم قطارات وتفتت طائرات، ناهيك طبعاً عن تدمير سيارات واستخدام كل وسائل النقل المتاحة براً وبحراً وجواً، ولا تفهم كيف تعجز كل الأجهزة الأمنية والشرطية في كل تلك الدول والمدن عن الإمساك بأي من هؤلاء المتقاتلين.

[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"