عادي

عذب الكلام

23:44 مساء
قراءة 3 دقائق
6

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

العربُ تقيم حشْوَ الكلامِ مَقامَ الصّلةِ والزِّيادةِ، وتُجريهِ في نظامِ الكَلمةِ؛ ومنه الثقيل، كقول أبي العيال الهُذليّ:

ذَكَرْتُ أخي فَعاوَدَني

صُداعُ الرَّأسِ والوَصَبُ

فذِكْرُ الرَّأس، حَشْوٌ مُسْتَغنىً عنهُ، لأنّ الصُّداعَ مُخْتَصٌّ بالرَّأس، فلا معنى لذكرهِ معه. وقول الآخر:

صُدودُكُمْ والدِّيارُ دانيَةٌ

أهْدى لِرأسي ومِفْرِقي شَيبا

فقوله: مَفرِقي، معَ ذكرِ الرّأس حشوٌ.

وقول أبي تمام:

لا يُوحِشَنّكَ ما اسْتَعْجَمْتَ مِنْ سَقَمي

فإنَّ مَنْزِلَهَ مِنْ أحْسَنِ النّاسِ

مِنْ قطْعِ ألْفاظِهِ تَوْصيلُ مَهْلكَتي

وَوَصْلِ ألْحاظِهِ َتقْطيعُ أنْفاسي

فقوله «قطع ألفاظه توصيل» و«وصل ألحاظه تقطيع»، حشوٌ لكنه لطيف.

دُرر النّظم والنّثر

تَعيشُ أَنتَ وتَبقى

بهاء الدين زهير

(من المجتثّ)

تَعيشُ أَنتَ وتَبقى أَنا الَّذي مُتُّ حَقّا

حاشاكَ يا نورَ عَيْني تَلقى الَّذي أَنا أَلْقى

قَد كانَ ما كانَ مِنّي واللَهُ خَيرٌ وَأَبْقى

ولَم أَجِد بَينَ مَوتي وبَيْنَ هَجرِكَ فَرْقا

يا أَنعَمَ الناسِ بالاً إِلى مَتى فيكَ أَشْقى

سَمِعتُ عَنكَ حَديثاً يا رَبِّ لا كانَ صِدْقا

حاشاكَ تَنقُضُ عَهدي وعُروَتي فيكَ وُثْقى

وما عَهِدتُكَ إِلّا مِن أَكرَمِ الناسِ خُلقا

يا أَلفَ مَولايَ مَهْلاً يا أَلفَ مَولايَ رِفْقا

لَكَ الحَياةُ فَإِنّي أَموتُ لا شَكَّ عِشْقا

لَم يَبقَ مِنّي إِلّا بَقِيَّةٌ لَيسَ تَبْقى

أسرار العربية

في الكَبيرِ من أشياء مختلفة:

اليَفَنُ: الشّيْخُ الكَبِيرُ. القِلْعَمُ: العجوزُ الكَبيرةُ. القَحْرُ: البَعِيرُ الكَبيرُ. الرَّسُّ: البِئْرُ الكَبِيرَةُ. القُلّةُ: الجَرَّةُ الكَبيرةُ. الشَّاهِينُ: الميزانُ الكَبِيرُ. الخِنْجَرُ السِّكِّينُ الكَبِيرُ. عَيْن حدْرة: أيْ كَبِيرَة، وهي في شعرِ امرئِ القيسِ. القَهْبُ: الجَبَلُ العظيمُ. الشَّارِعُ: الطَّرِيقُ العظيمُ. السُّورُ: الحائِطُ العَظِيمُ. الرِّتاجُ: البَابُ العَظِيمُ. الفَيْلَمُ: الرَّجُلُ العَظِيمُ. الصَّخرَةُ: الحَجَرُ العَظِيمُ. الفَيْلَقُ: الجَيْشُ العَظِيمُ. العَبْهَرَةُ: المَرْأَةُ العَظِيمَةُ. الدَّوْحَةُ: الشَّجَرَةُ العَظِيمَةُ. السَّجْلُ: القِرْبَةُ العَظِيمَةُ. الطِّبْعُ: النَّهْرُ الكَبِيرُ؛ قال لبيد:

فَتَوَلَّوا فاتِراً مَشيُهُمُ

كَرَوايا الطِبعِ هَمَّتْ بِالوَحَلْ

هفوة وتصويب

تَرِدَ كَثِيراً مِثْل هَذِهِ اَلْعِبَارَةِ «أَنْجَبَ اَلْوَالِدَانِ أَوْلَاداً»، وَهِيَ خَطَأٌ، والصَّوَابُ «أَنْجَبَ الْوَالِدَانِ»، لِأَنَّ مَعْنى «أَنْجَبَ اَلرَّجُلُ أَو اَلْمَرْأَةُ» أَيْ وَلَدا نَجِيباً؛ قَالَ اَلشَّاعِرُ:

أَنْجَبَ أَزْمانَ والداهُ به

إِذ نَجَلاهُ، فنِعْمَ ما نَجَلا

ونَجُبَ يَنْجُبُ نَجابةً إِذا كان فاضلاً نَفيساً في نوعه.

ويقول آخرون «نَضَجَ الطَعامُ نضوجاً»، وهي خطأ، والصّواب: «نَضِجَ نُضْجاً ونَضْجاً»، ونَضِج العِنبُ والتَّمْرُ والثَمَرُ يَنْضَجُ نُضْجاً ونَضْجاً أَي أَدرَكَ.

والنُّضْجُ الاسم. يقال: جادَ نُضْجُ هذا اللحمِ، وقد أَنْضَجَه الطاهِي، فهو مُنْضَجٌ ونَضِيجٌ وناضِجٌ، وأَنْضَجْتُه أَنا، والجمع نِضاجٌ؛ قال الحصري القيرواني:

ثَهلانُ لَو كانَ لي لِأَمسَت

عَلَيكَ أَحشاؤُهُ نِضاجا

من حكم العرب

جِراحات السِّنانِ لها التِئامٌ

ولا يلتامُ ما جَرَحَ اللسانُ

وقَدْ يُرجى لِجُرحِ السيفِ برءٌ

ولا برءٌ لِما جَرَحَ اللسانُ

البيتان ليعقوب الحمدوني، يؤكد فيهما، ضرورة توخّي قول الكلمة الطيّبة واللفظ الحسن في حواراتنا، لأنّ الكلمة الطيبة تترك أثراً ممتعاً، أما الكلمة النابية والفظّة، فإن أثرها كأثر الجرح الذي يفتحه السيف، لا يندمل. 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"