سليمان جودة
في الثامن من الشهر الجاري، وقف المرشح الكولومبي، جوستافو بيترو، يؤدي اليمين الدستورية رئيساً للبلاد لسنوات أربع مقبلة.
وعندما نقول كولومبيا فلا بد أن أول شيء سوف يأتي في خاطرنا، أنها بلاد غابرييل غارسيا ماركيز، صاحب جائزة نوبل في الآداب، وصاحب رواية «مئة عام من العزلة» الشهيرة.
ومع ذلك.. فليس هذا هو فقط ما سوف تطالعه وأنت تتابع أنباء فوز بيترو، وكذلك تفاصيل أداء اليمين الدستورية من جانبه، فهناك أشياء مهمة أخرى في سجل الرجل، ومن بين هذه الأشياء على سبيل المثال، أنه أول رئيس يساري في تاريخ البلاد.
إن المسافة بيننا هنا في الشرق الأوسط، وبين قارة أمريكا اللاتينية حيث تقع كولومبيا، هي مسافة تقاس بآلاف الأميال، ولكن هذا ليس مبرراً لأن نكون بعيدين عن متابعة ما يجري في تلك القارة اللاتينية البعيدة.. فكل شيء فيها يدعونا إلى متابعة أخبارها، وبالذات غناها الإنساني الذي تشتهر به. إنها لو لم تكن غنية على مستوى البشر، ولو لم تكن ثرية إنسانياً، ما كانت أنجبت أدباء وشعراء من هذا الوزن الثقيل، وما كانت أرضها أنبتت ماركيز، أو لويس بورخيس الأرجنتيني، أو بابلو نيرودا شاعر تشيلي ذائع الصيت، ثم بقية الأسماء العظيمة التي تزهو بها القارة اللاتينية، بقدر ما يفخر بها العالم كله، ويعتز.
ومن الواضح أن مجيء اليساري، جوستافو بيترو، إلى الحكم في العاصمة الكولومبية بوغوتا، ليس جملة عابرة في حاضر القارة اللاتينية.. فمن قبله جاء إلى السلطة أكثر من مرشح يساري فائز، ويبدو أن البرازيل مرشحة للانضمام إلى قائمة الدول اللاتينية التي يحكمها يساريون، لأن الرئيس السابق، لولا دي لا سيلفا، أقرب إلى القصر الرئاسي في الانتخابات المرتقبة هناك منه إلى أي شيء آخر، حسب ما تقول استطلاعات الرأي.
ولا بد أن فوز مرشحي اليسار بهذا التتالي في الفترة الأخيرة، يشير الى بُعد آخر من أبعاد ثراء أمريكا الجنوبية على مستواها الإنساني.. فاليسار كنظام حكم هو نظام منحاز بطبيعته إلى الإنسان، وبما أن مرشحي اليسار هم الذين جمعوا الأصوات في الانتخابات التي جرت مؤخراً، في أكثر من دولة أمريكية جنوبية، فهذا معناه في المحصلة الأخيرة، أن الانحياز في العملية الانتخابية هو انحياز من جانب المرشح الفائز، ومن جانب الناخب الذي جاء به، على السواء.
وفي أول كلمة ألقاها بيترو بعد الإعلان عن فوزه، أضاف بُعداً آخر يتصل بالسلام في الأرض التي أخرجت أعظم الشعراء والأدباء.
فليس سراً أن في كولومبيا جماعة ثورية تقاتل الحكومة منذ سنين، وليس سراً أن هذه الجماعة تشتهر باسم مختصر هو: فارك.. وقد جرى قتال طويل بينها وبين الحكومة، وأرهقت نفسها بمثل ما أرهقت الدولة والناس، وسقط على جانبي الطريق ضحايا كثيرون من الجانبين.
وسارع الرئيس جوستافو إلى مد يد السلام لها منذ لحظته الأولى في الحكم، ودعاها إلى إلقاء السلاح، وهو لم يبادر بدعوتها إلى السلام، أو إلقاء السلاح فقط، ولكنه قال إن لديه محفزات قانونية لها، إذا هي سعت بجدية في طريق السلام.
ولا يدل هذا على شيء قدر دلالته على أن بيترو يمد يده إليها، بينما لسان حاله هو الصفح، أما شعاره فهو: عفا الله عما سلف.