شروط النمو الأخضر

22:37 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

الفقر والبيئة متلازمان حيث الطبيعة هي من أهم أصول الدول. نتعجب من دول فقيرة تحاول نسخ التجارب الغربية في النمو أي الاستثمار في الطبيعة والأرض دون النظر إلى التأثيرات البيئية. أصبح النمو عبر الصناعة أصعب بكثير من النمو عبر الطبيعة والنشاطات الخضراء. نسخ تجارب دول شرق آسيا في التكنولوجيا والصناعات الإلكترونية ليس سهلا والمنافسة العالمية كبيرة. أما في البيئة وجمال الطبيعة في إفريقيا وغيرها، فالمنافسة أقل والنمو أسرع.

تبعاً للبنك الدولي، 37 دولة إفريقية اقترضت منه للإصلاح والنمو. انخفض الدخل الفردي 27% فيها بسبب سياسات النمو الخاطئة ومحاولة نسخ التجارب الغربية والآسيوية التي نجحت في وقتها ولم تعد كذلك. النسخ دون وعي وإهمال الأفضليات والمصالح الداخلية هو من أسوأ الأخطاء. أما الهجوم الاقتصادي الصيني وغيره في إفريقيا فربما يفرح القلوب، لكن التأثير في البيئة يتم تجاهله. هل يفضل الإفريقيون الغاز الفحمي الملوث للهواء والسماء الزرقاء والمياه العذبة؟ الأجانب لا يأتون إلى إفريقيا لإحياء الأرض والثقافة والتاريخ بل لجني الأرباح على حساب كل شيء. تدمير الطبيعة هو في اتجاه واحد أي إن الإنقاذ والعودة إلى الوراء مستحيل.

يتغير دور النساء في الإنتاج كثيراً إيجاباً وسلباً. في الإيحابي، سمحت الأوضاع الكورونية لهن بالعمل من المنزل وبالتالي مشاركة الرجال في النمو. في السلبية، نجد تراكم التحديات على النساء أي العمل من المنزل والاهتمام بالأولاد وحاجات العائلة في مكان واحد ما يسيئ أحيانا إلى الإنتاجية. لا أحد يعرف إذا كانت إجراءات اليوم مؤقتة أو دائمة. ربما العودة إلى حياة الماضي ستطول. العمل عن بعد جزئياً أو كلياً سيدوم والتحضر له ضروري. كذلك التعليم عن بعد سيبقى بالرغم من أن بعض التعليم الحضوري عاد بحذر.

تؤثر الكورونا كثيرا في القطاع المالي أي على فرص الإقراض، كما على نمو الودائع. نرى عالمياً عودة التبادل النقدي بعد سنوات من الهروب منه بسبب الخطر والفساد التهريبي. التأثير كبير أيضا على المالية العامة حيث تضطر الدول إلى دعم شعوبها كي يستمروا في الحياة الصعبة حيث تضعف خلالها الإيرادات الضريبية. هنالك دول رائدة أعادت الضرائب المدفوعة سابقاً إلى المواطنين كي يستهلكوا ويستثمروا. منذ نشأة العلوم الاقتصادية، هنالك شعور بأن الحوافز المالية تؤثر في تصرفات الإنسان. طبعا ليست الحوافز وحدها المؤثرة، وإنما هنالك عوامل اجتماعية ونفسية كبيرة أيضا. فالكورونا تعمق الفقر وبالتالي تؤثر سلبا في تصرفات الإنسان في جميع المواضيع خصوصا البيئية.

مشكلة العالم اليوم هي مشكلة سياسات خاطئة جشعة متهورة أنتجت الكورونا وغيرها من الشوائب. مساهمة المواطن الإفريقي في التلوث العالمي أقل بكثير من المواطن الغربي، والجميع يحلم بالوصول إلى عالم منتج لا يضر بصحة الإنسان. للعودة إلى النمو، بالإضافة إلى التلقيح الشعبي العام، المطلوب تغييرات في حياة الإنسان تجنبا لتكرار الكورونا، أي تنشيط الزراعة والتعليم واحترام الشروط البيئية الطبيعية والصحية المعروفة.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"