مسارات الحرب في أوكرانيا

00:35 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

يبدو أن الحرب الروسية-الأوكرانية دخلت مرحلة الاستنزاف بين الطرفين، مع عدم قدرة موسكو على تحقيق حسم شامل في إقليم دونباس الاستراتيجي ومناطق أخرى، ووجود مقاومة أوكرانية شرسة تتلقى دعماً لا محدوداً من الغرب سواء بالتمويل أو التسليح، ما يعني أن الحرب ستطول، وستبقى أوكرانيا مسرحاً لروسيا وغرمائها الغربيين يتصارعون على أراضيها، في محاولة كل طرف لكسر الآخر. فروسيا تسعى لحماية حدودها الغربية ثم تثبيت نفسها كقطب عالمي، بينما الدول الأوروبية وأمريكا تسعى إلى إخماد الطموح الروسي، ووقف تمدده، وكسره اقتصادياً، لكن الخاسر الأكبر سيكون أوكرانيا، التي فقدت الكثير من أراضيها، ودمرت العديد من مدنها؛ حيث يحتاج إعادة بنائها إلى خطة مارشال جديدة تضخ مئات المليارات لتحقيق هذا الغرض، كما أنه لن يقوم لهذا البلد قائمة لسنوات عدة مقبلة، وفق أكثر الدراسات الاقتصادية تفاؤلاً.

روسيا تسعى لإنهاء المعركة بأقل الخسائر الممكنة، فهي حشدت لذلك تشكيلاً كبيراً للقوات البرية لدعم عملياتها في أوكرانيا، والاستخبارات البريطانية نشرت أن هذه الوحدات يطلق عليها اسم الفيلق الثالث، ومقرها مدينة مولينو شرقي موسكو، ومن مهماتها: دعم العمليات الروسية في دونباس، وصد الهجمات الأوكرانية المضادة. هذا الحشد يشير إلى أن القوات الروسية تتكبد خسائر في الجبهات مقابل صمود أوكراني، كما أن ضخه في الحرب يعني أن روسيا معنية بحسم معركة دونباس بأسرع وقت لأسباب عدة، منها تحقيق منجز أمام شعبها والعالم قد يدفعها إلى إنهاء الحرب بعدما تكون قد وضعت المجتمع الدولي أمام واقع جديد سيضطر معه إلى التعامل على أساسه، ومن ثم إطلاق تسوية يتم من خلالها احتفاظ روسيا بأراضٍ أوكرانية، ونزع سلاح كييف، وتعهدها بعدم الدخول في أحلاف «معادية»، مقابل وقف العمليات القتالية، وستساعد هذه الخطوة روسيا أيضاً في تخفيف ضغط العقوبات عليها، وامتصاص الضربات الاقتصادية الشعواء التي تتعرض لها.

الرئيس بوتين بكل الأحوال لن يقبل بهزيمة عسكرية، حتى لو اضطر إلى استخدام كل مخزوناته العسكرية التقليدية وغير التقليدية، وبالفعل فإن قواته وإن كانت تتقدم ببطء إلا أنها تحقق انتصارات عبر السيطرة على مدن عدة، والقضاء على الآلاف من عناصر وقيادات الجيش الأوكراني، وقد اعترف الرئيس الأوكراني زيلينسكي بالفعل بمقتل ما يصل إلى 100 جندي، وإصابة 500 في كل يوم من المعارك مع الروس.

الغرب مدرك لطبيعة الوضع الميداني، فعقوباته لم تردع موسكو، بل زادتها إصراراً على مواجهة الغرب، وأيقنت أن أي تراجع في هذا المضمار يعني أفول نجم روسيا ولن يسطع مجدداً قبل عقود مقبلة، لذا فإن المجتمع الغربي بمجمله كثف دعمه العسكري والاستخباراتي لكييف لعله يطيح بروسيا، وهذا أيضاً يبدو في طريقه للفشل.

لن تسقط روسيا كشربة ماء، فهي دولة عظمى أعدت العدة لمثل هذا اليوم؛ لذا ليس أمام الغرب إلا التفاوض معها، وإلا فإن حليفته أوكرانيا ستكون في مهب الريح، ولا يدري أحد على من يكون الدور بعدها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"