قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم

22:10 مساء
قراءة 4 دقائق

قبل أيام وقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن في حديقة البيت الأبيض «قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم 2022»، ليبدأ من جديد محاولة استعادة تفوق الولايات المتحدة في تصنيع رقائق أشباه الموصلات، ولجعل البلاد أكثر قدرة على المنافسة في قطاع العلوم والتكنولوجيا.

وعلى الرغم من التبشير الأمريكي بالسوق الحرة في جميع أنحاء العالم، والتأكيد على معارضتها الشديدة للتدخلات الحكومية في السياسات الصناعية، خاصة استخدام الإعانات الحكومية في البلدان الأخرى، قررت الولايات المتحدة أن تجعل من نفسها استثناءً آخر لما تقوله. حيث يتعارض وصف القانون الجديد «خلق حوافز مفيدة لإنتاج أشباه الموصلات» مع روح السوق الحرة التي لطالما نادت الولايات المتحدة بها.

ومن خلال تخصيص 52.7 مليار دولار للمساعدة في توسيع مرافق تصنيع رقائق أشباه الموصلات في البلاد للسنوات الخمس المقبلة، فإن القانون الجديد يشكل سابقة نادرة في السياسة الصناعية الأمريكية، وهذا الرقم ليس سوى جزء من تشريع قيمته 280 مليار دولار يُمول أيضاً الأبحاث الأساسية والتطبيقية.

شدد بايدن على أن الولايات المتحدة كانت دائماً تؤمن بالإمكانيات التي تدفع بها إلى الأمام، لافتاً إلى أن نسبة 10% فقط من الرقائق الإلكترونية يتم إنتاجها في البلاد رغم ريادتها في هذا المجال.

ووفقاً للبيانات الصناعية، شكلت الولايات المتحدة في عام 1990 نسبة 37% من نصيب صناعة أشباه الموصلات العالمية، وبحلول عام 2020 انخفض هذا الرقم إلى 12% فقط، وأمام هذا الانخفاض السريع، عقدت واشنطن العزم على إنقاذ الموقف.

إن أكثر ما يزعج بشأن القانون الأمريكي الجديد للصين ودول ومناطق أخرى، هو أنه متناقض مع ذاته بشكل كبير. فهو ليس مجرد سياسة صناعية وتبنّ صريح للحكومة الأمريكية لما كانت تندد به، وشرّعت لنفسها من خلاله ما منعت الآخرين منه، بل هو أولاً وقبل كل شيء أداة لخدمة الأغراض الجيوسياسية الأمريكية.

من مبنى الكابيتول الأمريكي إلى البيت الأبيض، بات واضحاً للجميع حقيقة أن التشريع الذي أُقر مؤخراً يهدف إلى قمع التقدم التكنولوجي للصين علناً. إذ يُحظر من خلاله على الشركات التي تتلقى تمويلاً فيدرالياً توسيع عملها في صناعة الرقائق المتقدمة، وإجراء أي معاملات كبرى أو الاستثمار مع الصين أو أي دولة أخرى تثير قلق الولايات المتحدة في غضون عشر سنوات. وعلى وجه التحديد، تُمنع الشركات ذات الصلة من توسيع إنتاج أي شيء أكثر تقدماً من تصميمات يزيد قطرها على 28 نانومتراً، وهي تقنية عمرها أكثر من عقد من الزمان. كما يتضمن القانون صندوقاً خاصاً لمساعدة شركات الاتصالات الأمريكية على التنافس مع شركة هواوي الصينية، والحد من نطاق شركات الاتصالات الأخرى التي لها علاقات مع بكين.

بعد سنّه، أعرب الرأي العام الأمريكي عن شكوكه بالقانون الجديد، وقالت صحيفة نيويورك تايمز إنه يبدو طموحاً، لكنه ربما لا يُجدي نفعاً حتى بعد سنوات عديدة. وتساءلت صحيفة واشنطن بوست عما إذا كان قانون الرقائق «دمية باهظة الثمن» أو محفزاً فعالاً للابتكار؟

ضغطت «إنتل» بشدة لوقف التحرك نحو منع الاستثمارات الأمريكية في قطاع الرقائق في الصين، وأرادت الشركة الأمريكية المُصنِّعة للرقائق زيادة إنتاجها هناك بأواخر عام 2021، لكن خطتها قوبلت برفض البيت الأبيض، فاضطرت «إنتل» عندئذ إلى بيع مصنع الرقائق الخاص بها في داليان إلى الشركة الكورية الجنوبية «إس كيه هاينكس» (SK Hynix) ضمن صفقة أوسع للأعمال الخاصة برقائق الذاكرة المحمولة «ناند» التابعة للشركة الأمريكية.

ضمنت هذه «الضرورة الجيوسياسية» إبحار «قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم» الجديد بسلاسة نسبياً عبر أروقة مجلسي الكونجرس الأمريكي، مدفوعاً إلى حد كبير ب «رُهاب الصين» السائد في دوائر صنع القرار في واشنطن. ونظراً لأن الفكرة المركزية هي أن التقنيات المتطورة والقدرات في مجال رقائق أشباه الموصلات يجب أن تكون في قبضة الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن الشركات في البر الرئيسي الصيني هي الهدف الواضح للقانون الجديد، إلا أن الأضرار الجانبية للتشريع ستطال بوضوح العمالقة الآخرين.

وبينما يتم تعريف سياسة الرقائق الأمريكية في المقام الأول على أنها مكافحة «تهديد الصين» لهيمنة التكنولوجيا الأمريكية، تحاول الصين بالفعل تسريع تطوير هذا القطاع، الأمر الذي دفع واشنطن إلى السعي وراء الاكتفاء الذاتي من أشباه الموصلات. لن يكون طموح الولايات المتحدة المحافظة على ريادتها في قطاع التكنولوجيا مهمة مكلفة فحسب، بل سيُعطل الصناعة عموماً ويشتت سلاسل التوريد شديدة العولمة المرتبطة بها، وبالتالي يوجه ضربة قوية للاعبين الحاليين في جمهورية كوريا واليابان وتايوان ومصنعها الضخم.

للولايات المتحدة الحق في تطوير نفسها، ولكن ليس على حساب منع الآخرين من التطور. وهذا النوع من الحمائية في صناعة الرقائق بعقلية الحرب الباردة محكوم عليه بنتائج عكسية.

إن التدخل السياسي ينتهك قوانين السوق، والحصار التكنولوجي يتعارض مع الاتجاه العام للتنمية. وسيثبت الوقت أن العقبات التي تضعها الولايات المتحدة لمنافسيها، والألغام التي تزرعها في سلاسل التوريد وصناعة الرقائق العالمية، والحفر التي تحفرها أمام تطوير الصناعة ستقع الولايات المتحدة نفسها فيها بعد كل شيء.

بشكل عام، يعد القانون أخباراً جيدة لمساهمي شركات الرقائق الأمريكية، لكنه يمثل أخباراً سيئة للبحث والتطوير التكنولوجي العالمي.

افتتاحية تشاينا ديلي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"