ما الذي يقلل من شأن الإنسان إذا عرف كيف يضبط نفسه، ويلتزم بالحدود المرسومة له، ويعيش تحت ظلال القوانين المرسومة من أجل الحفاظ على حياة اجتماعية سليمة للبشر جميعاً أينما حلّوا واستقرّوا؟ لا شيء؛ بل في الانضباط رفعة وارتقاء وحسن تصرّف، لكن كثيراً من الناس يجدون فيه شيئاً من التحدي، وكأن أي قانون يتم وضعه في العالم يكون من أجل اقتياد البشر كالقطيع ضمن حدود معيّنة يجب عدم الحياد عنها؛ لذلك يتعمد هؤلاء السير في «الممنوع» والتصرف بلا إدراك أو بتجاهل متعمّد لأبعاد أفعالهم.
في مقدمة القوانين التي يتعمد الإنسان كسرها أينما كان في العالم، قوانين السير بمختلف درجاتها، والتي تبدأ من الالتزام بالسرعة المحددة، وخط السير والمسافة الآمنة بين السيارات، وصولاً إلى الانشغال عن الطريق بأمور كثيرة أثناء القيادة، والمخالفة التي يتم التحذير منها بإشارات طوال الطريق، مثل خطر الانزلاق، والسرعة المحددة، وعدم التجاوز.. هي واضحة ترافق السائق باستمرار، ولكن هناك مخالفات قد يرتكبها من يقود سيارته عن جهل ولا يضع في حسابه أنه يشكّل خطراً على نفسه وعلى الآخرين، ولا يعلم أيضاً أن كاميرات المراقبة تسجل كل هفوة وستحسبها عليه نقاطاً وغرامة يجب دفعها.
التحذير الأخير الذي وجّهته شرطة أبوظبي للسائقين من سلوكيات يمارسونها، وأمور يشغلون بها أنفسهم عن الطريق أثناء قيادة المركبة، ربما لا نكون جميعاً على دراية بتفاصيلها، علماً بأنها قد تتسبب في وقوع حوادث مرورية، وتعرّض السائق لمخالفة «الانشغال بغير الطريق» وغرامتها 800 درهم وأربع نقاط، خصوصاً أن الرائج أو الفكرة السائدة عن الانشغال بغير الطريق محصورة في الانشغال بالهاتف أثناء القيادة، مثل إجراء مكالمة هاتفية أو استلامها أو قراءة وكتابة رسالة نصية خلال القيادة، ما يؤدي إلى تشتيت انتباه السائق وتسبّبه في حوادث، أو قد ينحرف عن مسار الطريق كما يعجز عن تدارك كارثة ما، أو يتجاوز بغير وعي الإشارة الحمراء.. لكن الأمر لا ينحصر في الهاتف؛ بل هناك مخالفات أخرى حدّدتها شرطة أبوظبي، ومن الضروري التوقف عندها كي لا يقع فيها السائقون عن جهل، مثل الأكل والشرب والتدخين ووضع الماكياج (بالنسبة للسيدات).
أكثر من 100 ألف مخالفة انشغال عن الطريق سجلتها إحصاءات شرطة أبوظبي خلال النصف الأول من العام الجاري، ما يعني أن الانشغال عن الطريق هو المسبب الأكبر للحوادث المرورية، وكلنا شهود على إصرار فئة من البشر على «تسلية» أنفسهم خلال القيادة بإجراء مكالمات، والتواصل مع الآخرين، والرد على الرسائل، متجاهلين الأذى الذي يسببونه للآخرين، وكأنهم أسياد الشوارع ولهم حرية التحكم في مصائر الناس!.