الشرق الأوسط وبيضة القبّان

00:23 صباحا
قراءة 3 دقائق

الحسين الزاوي

عادت منطقة الشرق الأوسط، خلال الأسابيع الأخيرة، لتشكل مرة أخرى مركز اهتمام العالم في ظل تفاقم الأزمات العالمية، لاسيما في مجالي الطاقة والغذاء، حيث تتنافس القوى العظمى على الظفر بصداقة الدول المؤثرة في المنطقة، وتحرص على عدم ترك الكثير من الفراغ ليملأه الخصوم من أجل إعادة بناء تحالفاتهم في المنطقة العربية؛ إذ إنه وبعد أن كانت الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت، في عهد الرئيس باراك أوباما، الانسحاب من الشرق الأوسط لتركز كل جهودها على شرق آسيا والمحيط الهادي، جاءت التحركات الأمريكية الأخيرة لتعيد الشرق الأوسط إلى واجهة المنافسة بين الشرق والغرب، ولتؤكد مرة أخرى أن هذه البقعة الجغرافية من العالم، لا تمثل مهد الحضارات الإنسانية فقط، ولكنها تمثل حجز الزاوية بالنسبة إلى أجندات القوى الكبرى الساعية إلى السيطرة على العالم.

وتشير التطورات المتلاحقة إلى أن حركة التاريخ في الشرق الأوسط لم تتوقف، كما يقول رولان لومباردي، وأنها مقبلة على تطورات عدة وحاسمة، خلال العقود المقبلة، بخاصة أن المنطقة عرفت خلال أقل من قرن صعود إمبراطوريات وسقوط أخرى، فبعد أن كانت بريطانيا وفرنسا تتقاسمان النفوذ منذ اتفاقية سايكس بيكو، فإن الشرق الأوسط يعيش الآن على وقع تغيرات كبرى ليس فقط بسبب التنافس الأمريكي مع روسيا والصين، ولكن أيضاً بفضل الدور الجيوسياسي المتنامي للقوى الإقليمية التي باتت تمتلك أجنداتها الخاصة المستقلة عن القوى العظمى، لتعلن هذه القوى بذلك أن التاريخ لم ينته، وأن فصولاً جديدة منه ستكتب في شوارع العواصم العربية الكبرى.

وبالتالي، فإنه وبعد قرن من الزمن تقريباً، على إلغاء الخلافة العثمانية، وتأسيس الدولة التركية الحديثة ، فإن تركيا تسعى إلى العودة في هذه المرحلة لممارسة دور الوسيط بين الشرق والغرب، فهي ورغم عضويتها في حلف الناتو، إلا أنها تعمل على الحفاظ على مصالحها من خلال نسج علاقات معقدة مع موسكو من جهة، ومع واشنطن والغرب من جهة أخرى، لاسيما وأن أنقرة تعلم جيداً أن زعامتها للشعوب التركمانية، لا يمكن أن تتجسّد فعلياً بعيداً عن علاقات متوازنة مع روسيا صاحبة النفوذ التاريخي الكبير في هذه المنطقة، لكونها ظلت تحتل أجزاء كبرى منها لعقود طويلة.

وعلاوة على تنامي الدور التركي والروسي في قضايا الشرق الأوسط، تسعى دول الخليج، بقيادة السعودية والإمارات، إلى فرض تصور جديد لمستقبل المنطقة من خلال بلورة مشاريع طموحة تهدف إلى جعل الدول العربية تبني علاقاتها بشكل سيادي يخدم مصالحها، ويسهم في جعل الشرق الأوسط محطة استقطاب وتنمية مستدامة، تنافس شرق آسيا، وتكون بديلاً صناعياً وتكنولوجياً لأوروبا الغربية بناء على رؤية 2030 التي تسعى القيادة السعودية إلى تحقيقها خلال السنوات المقبلة، حيث تحرص دول المنطقة على الاستثمار في التحول الرقمي، وعلى خلق فرص عدة للنمو وتطوير قطاعات اقتصادية جديدة تجعل الشرق الأوسط رائداً في العديد من المجالات التي تستجيب للتحولات الكبرى التي يشهدها الاقتصاد العالمي.

كما تسعى دول شمال إفريقيا، وفي طليعتها مصر إلى مواكبة هذه النهضة التنموية الهادفة إلى جعل الشرق الأوسط والدول العربية تمارس دوراً جيوسياسياً يتماشى مع ثقلها الحضاري، بخاصة أن مصر باتت تسجل خلال السنوات الأخيرة نسب نمو مرتفعة، وتمتلك قدرات عسكرية هائلة تؤهلها إلى لعب دور محوري في بناء مستقبل المنطقة العربية، إلى جانب أشقائها في الخليج، ودول المغرب العربي.

ويمكننا أن نخلص في الأخير إلى أن هناك نمواً وتسارعاً في الدور الذي أضحى يلعبه الشرق الأوسط في رسم معالم السياسة الدولية، فهو بحكم موقعه المتميّز، وثرواته وقدراته الاستثمارية الهائلة، يمثل بيضة القبّان، أو الكتلة التي تتوسط كفتّي القبّان، أو ميزان العلاقات الدولية، وتحرص دوله الآن على الإبقاء على تماسك وتوازن البيضة حتى لا تميل إلى طرف على حساب طرف آخر، خدمة لمصالح شعوب المنطقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"