مصالحة تركية- سورية؟

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

تشهد السياسة الخارجية لتركيا، منذ أكثر من سنة، تحولات ملحوظة. إذ عرفت «مصالحات» مع دول كانت على خلاف معها لأكثر من سبب. وقام المسؤولون في تركيا وهذه الدول بزيارات متبادلة على أعلى مستوى. ومع أن المصالحة مع مصر كانت بدأت قبل ذلك، لكنها لم تصل بعد إلى نتائج ملموسة.

 وفي الفترة الأخيرة، عرفت العلاقات التركية مع سوريا تطوراً جديداً ومفاجئاً نوعاً ما، تمثل في تصريحات لوزير الخارجية التركي، مولود تشاووش آوغلو، كشف فيه أنه التقى «على الواقف» لبضع دقائق مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، على هامش مؤتمر لوزراء دول عدم الانحياز في بلغراد، وأعرب الوزير التركي لنظيره السوري عن استعداد بلاده للمساهمة في تحقيق مصالحة بين النظام والجماعات المعارضة.

وعلى الرغم من أن «وقفة بلغراد» التي حصلت في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، فإن الكشف عنها الآن طرح تساؤلات كثيرة، وأثار ردود فعل مختلفة لدى أكثر من جانب معني بالعلاقة التركية – السورية،رغم التوتر الأمني الذي حصل مؤخراً بعد قصف تركيا نقاط تمركز للقوات السورية.

والتساؤل الأساسي الآن هو: هل جاء دور سوريا في سياسات المصالحة التركية؟ وهل هناك عوامل مشجعة تحققت سراً في هذا الاتجاه؟ أم أن الأمر كله مجرد جس نبض، وبالون اختبار في انتظار ترقب ردود الفعل؟ وهل هو مرتبط بحسابات داخلية تركية، مثل معركة الانتخابات الرئاسية التي ستجري في يونيو/ حزيران من العام المقبل؟

 يجب التوقف هنا عند فارق المصالحة بين تركيا والدول الأخرى، وبين تركيا وسوريا. فالملفات الخلافية التي كانت بين تركيا وهذه الدول ليست كثيرة، أو معقدة. لذلك فإن القليل من الجهد عند هذه الأطراف كان كافياً لتجاوز الخلافات والانتقال إلى تطبيع العلاقات، بينما الوضع في سوريا معقد ومتشعب. فهناك تتواجد على الأرض قوات من الدولتين الأعظم في العالم، وهما روسيا والولايات المتحدة. كما أن لتركيا قوات في مناطق شاسعة في شمال غربي سوريا، نتيجة تدخلات عسكرية متكررة. وهناك جماعات مسلحة تقدّر بعشرات آلاف المسلحين في مناطق السيطرة التركية، كما توجد قوات كردية منظمة في مناطق تشرف عليها القوات الأمريكية، فضلاً عن تواجد إيراني عسكري في بعض المناطق. لذلك فإن حل الملفات الخلافية في سوريا يتطلب في جانب منه توافقات أو تفاهمات إقليمية ودولية لا يمكن التوصل إليها بسهولة، ويجعل الاعتقاد أنها ستأخذ وقتاً طويلاً للوصول إلى نتائج واضحة.

لذلك يرى العديد من المراقبين الأتراك تحديداً، أن خطوة أنقرة تجاه سوريا مرتبطة بشكل وثيق باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في أواخر الربيع المقبل. وكما كانت خطوات أنقرة تجاه العواصم الأخرى تهدف إلى ضخ المال في الاقتصاد التركي على أمل تحسنه، فإن الخطوة التركية الآن هي في جانب منها محاولة للتخفيف من عبء مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا التي تعكس استطلاعات الرأي تأثيرها السلبي في شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. كما إن هذه الخطوة قد تكون استجابة لرغبة قوية، وربما ضغوط من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على أردوغان لقاء تسهيلات روسية على صعيد النفط والغاز المصدر إلى تركيا، كما الاستثمارات الروسية في تركيا.

كما أن تركيا تعاني من تراجع ملحوظ للاقتصاد وتدهور سعر العملة التركية وارتفاع نسبة التضخم وازدياد نسبة البطالة. واستطلاعات الرأي لا تزال ضبابية رغم خطوات الانفتاح ولا تعطي فرصة واضحة لأردوغان في الفوز في انتخابات الرئاسة في حال توحدت المعارضة حول مرشح مشترك. لذلك يسعى أردوغان لتذليل الصعوبات أمام الاقتصاد التركي وملف اللاجئين من خلال المصالحات مع الدول الخارجية وهذه المرة مع سوريا.

إن التزام سوريا حتى الآن الصمت الكامل حول الموقف التركي الجديد، يعكس انعدام ثقة بموقف أنقرة، وشكوكاً في جدية الموقف التركي الجديد، والتخوف من أن يكون مجرد تكتيك لتمرير الانتخابات الرئاسية وليس جزءاً من استراتيجية تفكك العقد وتذلل الصعوبات أمام حل شامل للأزمة السورية. والأسابيع، بل الأشهر المقبلة كفيلة بتوضيح الصورة والمسار الذي يمكن أن تتخذه المسألة السورية التي في حال سلكت طريق الحل، المعقد والشائك والطويل، فإن صورة المنطقة ستنقلب رأساً على عقب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yx2f35ye

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"