«تحالف» موسكو وبكين

00:24 صباحا
قراءة دقيقتين

على مدى سنوات طويلة، ظلت المبادئ العامة للعلاقة الصينية الروسية تتمحور حول «الشراكة الاستراتيجية»، وهي المبادئ التي عبرت عنها السياسة الخارجية للبلدين، وتوافقهما في الدعوة إلى إنهاء الهيمنة الغربية على العالم وبناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، مع احترام سيادة الدول كافة، بيد أن العلاقات الاقتصادية ظلت تواجه تحديات جمة لأسباب مختلفة.
 التطورات الدولية المتسارعة، خصوصاً بعد العملية الروسية في أوكرانيا، والتوتر المتصاعد بين الصين والغرب حول تايوان، والعقوبات الغربية على كل من موسكو وبكين، فرضت واقعاً جديداً على الجانبين كان يتحتم فيه طي خلافات الماضي التي نشأت منذ عهد ستالين، والتطلع إلى بناء علاقات أشمل وأوسع على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية، والانتقال إلى مرحلة جديدة من الشراكة إلى التحالف الاستراتيجي الآخذ في التبلور وإن لم يعلن عنه رسمياً. ساعد في ذلك أمران أساسيان، أولهما أن السياسة الغربية الممنهجة والقائمة على «دق إسفين» بين موسكو وبكين، لإبقاء التباعد بينهما، أثبتت فشلها أخيراً، رغم الضغوط الغربية الهائلة، لمنع المزيد من التقارب بين الجانبين. وثانيهما، أن السياسات الغربية التي تبنت توسع حلف «الناتو» شرقاً، على حساب المصالح الأمنية والحيوية لروسيا، والتي أدت لاندلاع الحرب الأوكرانية، دفعت موسكو أيضاً للتوجه شرقاً، لمواجهة العقوبات أولاً، وثانياً تعويض الاستثمارات الغربية في روسيا بالاستثمارات الصينية. والأهم من ذلك هو أن تطورات الحرب في أوكرانيا والدعم الغربي اللامحدود إلى كييف، بالتزامن مع خلق مشكلة مماثلة للصين في تايوان، فرضت على موسكو وبكين الارتقاء بالعلاقات بينهما إلى مستوى أعلى بكثير يصل إلى وضع التحالف غير المعلن، يدلل على ذلك حجم التعاون التكنولوجي المتبادل والتدريبات العسكرية المشتركة. الصين التي وجدت نفسها، علاوة على العقوبات الاقتصادية والتجارية، التي بدأت منذ عهد إدارة ترامب، محاصرة بالأحلاف الأمريكية (حلفا «كواد» و«أوكوس») في المحيطين الهادي والهندي، والمحاولات الغربية للسيطرة على بحرها الجنوبي، بحجة حرية الملاحة الدولية، والاستفزاز الغربي لها في تايوان التي تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، ومحاولات إضفاء شرعية دولية لانفصال الجزيرة عن الوطن الأم، عبر زيارة بيلوسي وغيرها من المسؤولين الأمريكيين، كلها عوامل تسرع من تقوية التحالف الصيني الروسي. 
بهذا المعنى، يبدو أن المصالح المشتركة لروسيا والصين تغلبت ليس فقط على القيود الغربية المفروضة على روسيا والضغوط التي تمارس على الصين، بل حتى على المصالح الاقتصادية الصينية المشتركة مع الفضاء الغربي الأوروبي الأمريكي. كما أن روسيا الرازحة تحت العقوبات الغربية سرعان ما تمكنت من تعويض أسواقها في أوروبا والغرب، خصوصاً في مجالي النفط والطاقة، بالسوق الصينية المفتوحة، وكذلك في الهند وغيرها من الدول، ما جعل الغرب هو الذي يعاني من تلك العقوبات. وقد يكون تطلع روسيا والصين إلى عالم ما بعد «الحرب الأوكرانية» وترجمة تطلعاتهما لإنهاء الهيمنة الغربية الأمريكية وإقامة نظام عالمي جديد هو الذي يفرض عليهما الارتقاء بعلاقتهما من الشراكة إلى مستوى «التحالف الاستراتيجي».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/24dcmk6u

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"