لماذا خيارات الحرب؟

00:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

اقترنت الحرب بالدولة كفاعل رئيسي في العلاقات الدولية، وإن كانت تعود إلى ما قبل ظهور «الدولة القومية» في مؤتمر «وستفاليا» عام 1648، لتصبح خياراً رئيسياً للدولة، لتحقيق أهدافها. واليوم لم تعد الحرب مقتصرة على الدول فقط؛ بل تمارسها «الفواعل» من غير الدول. وابتداء، لعل السبب الرئيسي للجوء للحرب، عدم فاعلية المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة في ردع الدول، وخصوصاً إذا كانت دولة من الدول الأعضاء في مجلس الأمن ولها حق الفيتو. ومن ناحية أخرى، انتشار القوة التي تعد حكراً على دولة دون أخرى؛ بل حتى «الفواعل» من غير الدول يملكون القدرة على الوصول للسلاح. ومن ناحية ثالثة، لجوء الدول إلى خيار الحرب بالوكالة، والأمثلة كثيرة في اليمن وسوريا وليبيا، وحتى أوكرانيا تلعب دور الحرب بالوكالة نيابة عن أمريكا.

وفي البحث عن الدوافع والأسباب الكامنة وراء الحرب، حدد الباحث البريطاني ريتشارد نيوليبو أربعة دوافع رئيسية؛ هي: الخوف والمصلحة والمكانة والانتقام. وهذه الدوافع مستقاة من دراسته لتاريخ الحروب. وقد تنطبق بدرجات متفاوتة على الحرب التي نعاصرها اليوم، وأحدثها الحرب في أوكرانيا. وبدراسته لتاريخ الحروب، أوضح أن نسبة ضئيلة كانت مدفوعة بالأمن والخوف والمصلحة، وأن أغلب الحروب سببها المكانة والانتقام، أي محاولة الثأر من دولة نجحت في السابق في الاستيلاء على أراضي الدولة المبادرة بالحرب. هذا المثال ينطبق على روسيا وقناعتها أن أوكرانيا أصلاً أرض تابعة لروسيا. ومثال الحروب العربية الإسرائيلية، فاحتلال إسرائيل للأراضي العربية في عام 1967 كان سبباً رئيسياً لحرب أكتوبر التي استعادت فيها مصر سيناء. والحرب التي قامت بها الولايات المتحدة بدعم من دول التحالف على العراق.

 واللافت في دراسته أن أياً من هذه الدوافع لا يمكن تحقيقها على نحو فعّال عن طريق الحرب. وأشار إلى أن الحروب بين الدول في انخفاض وتراجع، عكس الحروب الداخلية والتي نجد أمثلتها في أكثر من مكان في العالم، وقد يعلل ذلك بارتفاع كُلفة الحرب، وما قد تثيره الحروب من ردود فعل وتداعيات قد لا تتحملها الدول، فالحرب الكونية الأولى راح ضحيتها عشرة ملايين وأربعمئة ألف قتيل، والثانية أكثر من خمسين مليوناً، ناهيك عن خسائر بمليارات الدولارات.

 ولعل السبب في تراجع الحروب يرجع إلى التنمية الاقتصادية، ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة، فضلاً عن تزايد القوة التدميرية للحروب، ونمو التجارة وزيادة درجة الاعتماد المتبادل بين الدول، وقد ظهر ذلك في عمليات التصويت على الحرب الأوكرانية في الأمم المتحدة، وكيف أن العالم لم يكن متحداً وإن كان ذلك يعد دافعاً لاستمرارية الحرب من ناحية روسيا. ويضيف الباحث أن أحد الأسباب لتراجع الحرب انتشار الديمقراطية، وما شهدته العديد من الدول في أوروبا الشرقية من ثورة التحول الديمقراطي في تسعينات القرن الماضي؛ لذلك هناك من يتحدث عن السلام الديمقراطي، ويبرر عدم دخول الولايات المتحدة وأوروبا الحرب لفاعلية القيم الديمقراطية، والسبب الآخر دور المؤسسات والأعراف والقوانين الدولية، وردود الفعل القوية من الدول وانتقاداتها للدول المتحاربة. وملخص القول: الخوف والأمن مسؤولان عن 19 حرباً من بين ال94 حرباً التي قام بدراستها. وليس معنى ذلك أن الأمن ليس دافعاً قوياً، وما زالت معضلة وعقيدة ثيوسيديدس الأمنية السبب الرئيسي وراء الحروب بين الدول.

ويرى أن المصالح المادية تمثل دافعاً ضعيفاً وإن كانت مسؤولة عن 8 حروب. وأما المكانة والدور وتغيير بنية القوة الدولية واحتكارها من قبل دولة واحدة فإنها كانت مسؤولة عن 62 حرباً، وأخيراً الانتقام كان سبباً في 11 حرباً. هذا إلى جانب أن التنافس بين الدول الكبرى ودول القوة بات يهدد السلام والأمن العالميين. وإلى جانب ذلك لا يمكن أن نغفل الطابع والهوية القومية وخصوصاً القوميات التي ترى في نفسها قوميات استعلائية على غيرها.

 ستبقى الحرب مرتبطة بصورة أو بأخرى بالقوة الشاملة التي تملكها الدولة، وخصوصاً القوة الصلبة؛ المتمثلة بالقوة العسكرية والاقتصادية، وكلما كانت الدولة قوية، فإنه ذهابها لخيار الحرب سيكون أكبر؛ وذلك لتحقيق مصالحها وأهدافها القومية، ولو على حساب غيرها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/muustt4b

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"