الحرب مآسي البشرية

00:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

تتناثر الأحاديث، هنا وهناك، حول احتمال وقوع حرب كبرى بين روسيا والغرب، في هذا المنعطف التاريخي الحاسم، حيث تنفتح صفحة جديدة قد تنحدر بالعالم إلى حقبة مجهولة المصير، وتعود بالبشرية إلى الخلف عشرات السنين، عندما كان العالم يموج في تيار بالغ الخطورة بتوازناته وتياراته الجارفة وديناميكيته العاتية، عالم مُهدد بأن تتصدع أركانه ويتداعى بنيانه، وتنهار كافة إيديولوجياته من القوة المادية والعسكرية بسبب هذه الحرب التي قد تبدو حتمية، لا فكاك منها تخلصاً من هذا المصير المتشابك الذي يجمع العديد من الدول والقوى السياسية في كفّ هذا المصير المجهول.

لعل أبرز من تحدث بوضوح عن هذه الحرب هو قائد الجيش البريطاني الجديد الجنرال السير باتريك ساندرز، والذي قال إنه يتعين على القوات البريطانية الاستعداد للقتال في أوروبا مع احتدام المعركة في أوكرانيا.

والواقع أن الغرب مصمم على الحيلولة دون انتصار روسيا في الحرب، لكن، في حال تمكنت روسيا، وهو الواقع، من تحطيم قدرات الجيش الأوكراني، وأجبرت الدولة الأوكرانية على الاستسلام فكيف سيكون رد الغرب حينئذٍ؟!! هل سيقف مكتوف الأيدي وهو يشاهد فرحة الروس بانتصارهم، والذي يعني في المقام الأول انتصار على القوى الداعمة لأوكرانيا؟ أم أنه سيتخذ زمام المبادرة لتحرير أوكرانيا، ويندفع ليقاتل روسيا وجهاً لوجه بعد أن اكتفى بالوقوف في الخلف؟

 إن الغرب، ولاسيما الدول الفاعلة فيه تدرك أن الحرب ضد روسيا لن تكون سهلة على الإطلاق، ولذلك لم تتدخل في الحرب إلى جانب أوكرانيا بشكل مباشر، كي لا تنزلق الأمور باتجاه حرب كبرى. كان بإمكان بريطانيا في الحرب العالمية الثانية، أن تحشد ملايين الجنود من مستعمراتها، وأن تستخدم ملايين البراميل من النفط من مستعمراتها أيضاً، أما الآن فالدول العظمى تقف وحيدة عاجزة، متجردة من العديد من مظاهر قوتها السابقة، خاصة وأن الحرب تحتاج إلى اقتصاد قوي، وظهير شعبي مساند، وزعامات سياسية محنكة تقرأ الواقع قراءة عميقة وهذا لا يتوافر في أي من القوى في العصر الحالي، فأغلب الدول الأوروبية تقودها ائتلافات حاكمة ضعيفة قد تنهار في أية لحظة، إضافة إلى اقتصاد هش خاصة بعد جائحة كورونا التي أضعفت اقتصادات أعتى الدول، فكيف بدول كانت تعاني قبل الجائحة؟!!، فهل تستطيع بريطانيا أن تحشد العديد من القوات من شعبها؟ قطعاً لن تستطيع أن تحشد الكثير، كما أنها تستورد النفط وهي تعاني الآن من ارتفاع أسعار الوقود، وأيضاً فإن وضع فرنسا مشابه لوضع بريطانيا تماماً، وأما الولايات المتحدة التي ينبغي أن تكون هي القوة الفاعلة الرئيسية في أية حرب قد تحدث، فهي أيضاً تعاني من مشاكل اقتصادية ومن تراجع واضح في معدلات الإنتاج، وهي اليوم مختلفة عما كانت عليه عشية الحرب العالمية الثانية، ومختلفة أيضاً عن الوضع الذي كانت عليه بعد تلك الحرب، فقد كانت بمفردها، آنذاك، تنتج ثلثي الإنتاج الصناعي العالمي، أما اليوم فقد تراجع نصيبها في الإنتاج الصناعي إلى الربع أو ما دون ذلك، وقد تفوقت الصين عليها حيث أصبحت تنتج 30 في المئة من الإنتاج الصناعي العالمي.

ورغم أن روسيا أيضاً لا تستطيع أن تحشد المزيد من القوات، لكنها تمتلك عدداً من نقاط القوة في هذا الصراع المحتمل، كطبيعتها الجغرافية الحالية، وإمكاناتها من موارد الطاقة والغذاء، وكذلك لها حلفاء من دول الاتحاد السوفييتي السابق وداخل أوروبا، كصربيا، والحليف الصيني، وغيرها من الدول التي تقف على الحياد خشية العداء الروسي.

ربما تراهن الولايات المتحدة على إمكانية كسب بعض الدول كالمكسيك ودول أخرى في أمريكا اللاتينية إليها. ومن المؤكد أن استراليا واليابان قد تدخلان الحرب إلى جانبها، وربما هناك دول كثيرة ستقف على الحياد، ولكن على الأغلب لن تبقى دولة واحدة لن تعاني آثار تلك الحرب. وقد يقال إن حرب اليوم ليست كحرب الأمس بسبب انتشار التقنيات الحديثة التي تغني عن كمية الجنود الكثيرة، وذلك قد يفيد في أية حرب يشنها الغرب ضد دولة فقيرة متخلفة لا تملك تقنيات كافية، لكن ذلك لا يفيد مع دولة متطورة عسكرياً واقتصادياً مثل روسيا التي ورثت ترسانة الاتحاد السوفييتي الذي كان يشكل القطب الثاني مع الولايات المتحدة في زعامة العالم يوماً ما.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yrazjjf9

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"