عادي

عادل خزام.. المنذور للشعر

22:47 مساء
قراءة 4 دقائق

يوسف أبولوز

في هذه الزاوية، نحتفي بمجموعة من أبرز مبدعينا الذين قدموا لمسات أدبية جمالية وإمتاعية، أثرت الوجدان، وارتقت بذائقة القراء، منحونا زاداً عبّر عن إنجازات الوطن وتحولات المجتمع وهموم البشر، كانوا ذاكرتنا التي تؤرخ للمكان ومدونتنا التي عبرت بصدق وإخلاص عن آمالنا وأحلامنا، هم قناديلنا التي نسترشد بها في دروب الحياة.

لديّ حالة موضوعية، كما يقولون، للكتابة عن عادل خزام أو لرسم هذه الصورة القلمية من مدخل عملي مهني تماماً، فصاحب «الوريث» و«تحت لساني» يشتغل على نفسه بهدوء وبلا تسرّع، ويضع أمام عينيه سارية مضيئة، وهو دائم النظر إليها، فقبل أيام قليلة فقط حاز من المركز الدولي للترجمة والأبحاث في الصين جائزة أفضل شاعر دولي بتقييم لجنة دولية، وتصدر له قريباً مجموعة شعرية كاملة بالفرنسية، وأخرى بالإيطالية وثالثة بالإنجليزية.

عادل خزام إقليم من الكتابة: الشعر أولاً، ثم الرواية، ثم الشذرات وهو فن يعيد عادل الاعتبار إليه بالكتابة الجادّة لهذا النوع من الأدب المكثّف، وهو أيضاً ناثر حرّ، منتظم الكتابة، ومرة ثانية يصدر في جنس النثر عن مسؤولية أدبية حازمة، ونثر عادل ليس قصيدة النثر، بل إلى جانبها، النثر الفني المولود بين يديه على شكل كتابة مفتوحة دائماً، لكنها محكومة إلى نظام التأمل، والفلسفة، والفكر.

ورث الشعر من جهتيّ الأب والأم.. رغم أن والده عباس خزام أحد أبرز الشعراء في الخليج العربي وله مجموعات شعرية منها الجريح الصامد، والأم وأنغام صدرت في خمسينات وستينات القرن العشرين، إلا أنه يقول إنه تعلم الشعر من والدته التي كانت تجيد القراءة والكتابة، وكانت دائماً تشاركه أهازيجها وترنيماتها الشعرية، وقد عاش عادل مع والدته في دبي بعد انفصال أبويه منذ وقت مبكر من حياته، وكأنما منذ ولد 1963 وهو منذور لهذا الكائن السحري الشعر.

صوت داخلي

منذ طفولته الأولى ظل عادل خزام يسمع صوتاً داخلياً في رأسه يردد الشعر باستمرار، وكان ينتبه ويلتقط الصور اللغوية بحذاقة، ولقّبه أصحابه ب (الشاعر) وهو في سن صغيرة كونه كان يطلق الألقاب والمسميات عليهم في الفريج في منطقة بر دبي.

كتب الشعر بداية في كرّاسات المدرسة، وكان يظنها مجرد هواية، إلى أن نبّهه الأستاذ طلال، مدرس اللغة العربية في ثانوية الإمام مالك في دبي ونصحه أن ينتبه لموهبته العالية، والتي عاينها المدرس في ذلك العمر المبكر.

استهوته منذ الطفولة أيضاً عادة الاستماع إلى الراديو، فكان طيلة فترة الشباب والصبا يحمل راديو خاصاً به، ويستمع إلى برامج الشعر والأدب التي كانت رائجة في السبعينات والثمانينات، وبالتالي كانت حصيلته السمعية عالية جداً، وهو مصغٍ جيد دائماً. إضافة إلى حب القراءة وشغفه بالمعرفة والتعلم. وذكر لي مرة أنه كان متفوقاً في المدرسة وفي الوقت نفسه كان مشاغباً بين الطلبة، لكنه الشغب الذي يفصح عن طاقة إبداعية تختزن في داخله لتولد ذات يوم على شكل مسكوكات شعرية.

أول أمسية شعرية لعادل خزام كانت في جامعة الإمارات في العام 1985 عندما كان طالباً، ويومها قال الناقد الكبير إحسان عباس أمام جميع المشاركين وأساتذة الجامعة بأن (عادل خزام.. هو أشعر من في الجزيرة والعراق) وقد ذكر هذه الحادثة الشاعر أحمد راشد ثاني في عمود نشره بجريدة «الخليج» في تلك السنة، والقول على ذمة القائل.

استطاع عادل خزام أن يطور تجربته عن طريق تعميق فهمه للشعر من 3 نواحٍ مهمة، الأولى أنه خاض في مجال الروحانيات، وأصدر مجموعة من الكتب الروحانية من بينها (مسكن الحكيم - الحياة بعين ثالثة - رواية الظل الأبيض)، وهي كلها عناوين دالّة تتحدث عن التأمل والغوص في أعماق الذات. وامتد هذا الأثر إلى لغته الشعرية المتميزة في الأصل والثرية في مفرداتها وجنوحها وتراكيبها اللغوية والصورية والجمالية.

اختار عادل خزام أن يطور لغته الإنجليزية، وقد عاش سنة كاملة في الولايات المتحدة الأمريكية، وسنوات أخرى في بريطانيا من 1990 إلى 1997 وصار يراسل صحف الإمارات من هناك بمواضيع أدبية غربية. ولاحقاً أصدر ترجمته لكتاب (سيرة حياة البوذا) عن دار روايات في الشارقة. ويخطط حالياً لإصدار كتاب مترجم عن قصص حياة الساموراي في اليابان.

الناحية الثالثة المهمة في تطوير تجربته الشعرية كانت في التنويع، فكتب الشذرات والنصوص القصيرة والمقاطع النثرية، وجرب التفعيلة والعمود وحتى اليوم لا يزال يكسر نمطية ما يكتبه، حيث كل كتاب له يختلف عن سابقه، لكن الجوهر هو كينونة عادل خزام الأدبية والإنسانية.

عمل في الصحافة، محرراً ومراسلاً ثقافياً في جريدتي «الخليج» والاتحاد، وشغل منصب رئيس تحرير الأخبار الاقتصادية في قناة دبي الاقتصادية، كونه يحمل بكالوريوس في الاقتصاد والإدارة من جامعة الإمارات. ثم تطورت مهنه كمنتج ومدير قناة سما دبي ومناصب إدارية أخرى حيوية في صناعة الإعلام والثقافة والتنمية.

عازف

عادل خزام عازف عود شفاف، لحّن نحو 70 أغنية لمسرح الطفل في الإمارات، والسهرات التي يحضر فيها بعوده تتحول إلى مناسبات فرح لا تنسى، محب كبير، لم أره يوماً يكره أحداً أو يغار شعرياً من أحد. فهو واثق من تجربته حد اليقين، ويشجع الآخرين ويمد لهم كل الدعم، وتمتد صداقاته إلى جميع شعراء الوطن العربي. لا يختلف أحد على فرادته الشعرية.

قال أدونيس بأن كتابه (الربيع العاري) هو الكتاب الأكثر جدة واستبصاراً من بين معظم الكتب الشعرية العربية في القرن الحادي والعشرين، وأن تكرمه إيطاليا والصين وإسبانيا.. فهذا دليل على علو موهبته وإخلاصه للشعر، بل إخلاصه للكتابة عموماً.

يعمل عادل خزام بأفق مفتوح، شارك بنصوصه في السنوات الأخيرة في موسوعات ومهرجانات العالم الشعرية في آسيا وأوروبا وإفريقيا والأمريكتين، وهو عضو فاعل في حركة الشعر، له مجموعة مترجمة إلى الألمانية، ورواية مترجمة إلى الإنجليزية هي (الحياة بعين ثالثة).

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yhen5hwa

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"