محمد المر

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين

حين كنت صغيرة، كنت أقوم بتجميع مصروفي حتى أتمكن من شراء مجلة معروفة، لأستطيع أن أتصفح تفاصيل الديكور والأثاث والملابس، لكن الأهم من ذلك، الصفحة الأخيرة التي كانت أول صفحة أفتحها وكلّي شوق لما سأقرأ، في تلك الصفحة كان العمود الأسبوعي للكاتب الإماراتي محمد المر، كنت أقرأ وأنا في انبهار كيف يختزل لي عالماً في تلك السطور، كيف كان مصدر الأخبار والتطورات الفكرية لي، كان الصفحة التي تشكلّني وأنا غير مدركة، كان أول كاتب يأسرني ويجعلني أتأمل كل تلك السطور وأقول بإعجاب شديد «كيف يكتبون»، ومن يعلّمهم وكيف يختصرون كل ذلك لنا، كان هو بصمة تركت ولا تزال أثراً في قلمي وحياتي. 
محمد المر الذي التقيت معه مراراً وتكراراً في الأعوام ال 10 الأخيرة، في مناسبات ثقافية واجتماعية مختلفة، لا يزال هو ذاته الشخص الذي قرأت له، في اللقاء الأول، لم نتحدث عن الكتب والكتابة ولم أخبره أني كاتبة عمود، كان حديثنا عن الخط العربي وكيف لهذا الفن أن يكون آسراً وصورة الحضارة الحقيقية، كان داعماً ومبهراً في حديثه، جعلني أتّقد حماسة لأول معرض مشترك مع صديقاتي، كان حاضراً، يأخذ اللب بتفاصيل حواره ومعرفته ودقتها كان مثقفاً جامعاً لمختلف الأساليب والعلوم التي ما زلنا إلى اليوم نستكشفها. 
محمد المر.. ولأقل القلم الأول الذي عرفت، هو بالنسبة لي شخصية استثنائية، في مجالات عدة سياسية، اجتماعية، اقتصادية، والأهم الثقافية، شخصية هي إرث حقيقي لهذا الوطن، إرث أتمنى أن يتم تأريخ مشواره بتفاصيلها، أن يتعلم منه الأجيال حقيقة القراءة والبحث والسفر، وكيف تمرّس في هذه المجالات الصعبة، شخصية لم ترد الأضواء لكن الأضواء تشرفت به. متواضع لأبعد الحدود، بسيط في حضوره لكنه الحضور المتألق به.
محمد المر.. شخصية قيل لي إنه أفضل من كتب عن الحياة الإماراتية، وأقول إنه افضل من يعرفها ويمثلها ويقولها، لن يتكرر قريباً شخص مثله من وجهة نظري، ووجب أن تزيد المرات التي يعتلي فيها المسرح ليحدثنا عن محتواه، العمق في كل ما يعرف والتحليل المتباين المتين، الصوت الرخيم والعقل الكبير، الهدوء المتناغم مع كل المعرفة والعلم في داخله، أنجز الكثير وآخرها مكتبة محمد بن راشد، والتي كلنا ثقة أنه أعطاها من كل تجربته في حياته، ولم يبخل أن تكون مختلفة في كل زواياها. ويوماً ما نرجو أن تحتضن المكتبة أو أي معلم ثقافي بيتاً خاصاً به، يرويه ويعلمنا عنه.
محمد المر.. علمتني أن أحب العمود وإن لم أدرك يومها أنني سأكتب عموداً في حياتي، لكنك من حركني وعلمني حب الكتابة والقلم، فشكراً لك، لصدق ما قرأت لك في طفولتي وشكراً لأنك أخبرتني أن الخط العربي عالم خاص نحتاج إليه، ونشكر الله أنك موجود بيننا وفي فكرنا وضمير ما نقدم.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4wpwtc5m

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"