باب الدخول إلى العقل الأمريكي

00:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

في أمريكا باب موارب – نصف مفتوح – يدخل منه من يكتسب قدراً من التأثير في السياسة الخارجية. وأذكر أنني كثيراً ما كتبت عنه أثناء سنوات عملي في واشنطن، وأنه ليس مغلقاً أمام منطقتنا العربية. المهم أن يكون الدخول منه وفق خطة مجهزة جيداً. وحيث إن صناعة قرار السياسة الخارجية ليست محصورة في البيت الأبيض منفرداً، والخريطة المعتمدة لصنع القرار توجد بها سبعة أطراف تشارك في صنع القرار، تبدأ بالبيت الأبيض والكونجرس، تليها مراكز الفكر السياسي، والإعلام، والرأي العام، وقوى الضغط، وجماعات المصالح.

وسط هذه الساحة –وعلى سبيل المثال– فإن إسرائيل لا تكتفي بعلاقاتها بمؤسسات السياسة الخارجية المسؤولة، وبالضغوط لصالحها من منظمة الإيباك على الرئيس والكونجرس، لكنها تضيف إلى رصيدها هذا خطة علاقات عامة بإرسال وفود مدربة من إسرائيل إلى الولايات المتحدة، في فترات متقاربة، لعمل لقاءات في دور الصحف، والمشاركة في ندوات في مراكز البحوث السياسية لتوجه من خلالها خطابها إلى الرأي العام تحديداً.

هذا الباب ليس موصداً أمام منطقتنا العربية، لكنه ليس الباب الوحيد المتاح لنا. فهناك جهات عديدة تساند الحق العربي، لكن ينقصها التواصل معنا. وعلى سبيل المثال هناك منظمات يهودية أمريكية لها فروع تنتشر في أنحاء الولايات الأمريكية، وهي ترفض سياسات حكومات إسرائيل، وتؤيد قيام دولة فلسطينية.

وفي هذه الساحة المفتوحة فإن القوى اليهودية الأمريكية أنشأت مركزاً إعلامياً، مهمته المتابعة اليومية لأي مناقشة سوف تجرى في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، أو في الكونجرس، حول القضية الفلسطينية أو أي قضية عربية.

ويحدث في بعض الحالات أن يضطر الرئيس، للاستجابة لضغط من الرأي العام

ويقول المؤرخ إريك ألترمان: إن جموعاً من الرأي العام والكثير منهم ينتمون للطبقتين الوسطى والفقيرة، لهم أصوات مؤثرة في الانتخابات، وهم من يخشى الرئيس تحولهم نتيجة لسياسات معينة، ناحية المنافس له في الانتخابات.

المشكلة أن الخيار السياسي الأمريكي الموروث الذي تزيد النخبة السياسية من قوته، يحمل معتقدات بأن وجود أمريكا على قمة النظام العالمي دون منافس، هو مسؤولية أخلاقية تتحملها بلادهم. وإن كان الرأي العام لم يعد مشدوداً نحو هذا الاعتقاد، بتأثير متابعته للأحداث الخارجية خاصة في الفترة الأخيرة.

وبعضهم أشار إلى أن هناك من الرؤساء من لم يؤيدوا فكرة هيمنة أمريكا على النظام العالمي، منهم –على سبيل المثال– الرؤساء جيفرسون، وآدامز، وبوش الأب، وأيضاً ما كتبه هنري كيسنجر عن أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تكون القطب الأوحد للنظام العالمي، وأنها ستكون واحدة ضمن مجموعة قوى متساوية على قمة هذا النظام.

هذه الصورة التي رسمها كثر من الخبراء السياسيين في الولايات المتحدة، تشير بنوع ما إلى الباب الموارب، والذي اتسعت مؤخراً مساحة الدخول منه إلى رأى عام يتغير بالفعل، وهو ليس مغلقاً أمام منطقتنا العربية.

كل ما نحتاج إليه هو خطة عمل استراتيجية، لاستثمار العلاقة مع قوى وجهات فاعلة ونشطة داخل الولايات المتحدة، يعلو صوتها من وقت لآخر بتأييد قضايانا، والأمر يحتاج إلى إقامة جسور معها، تحفزها على مضاعفة جهودها، بناء على اتصالات مباشرة – مثلما يفعل غيرنا من الشعوب – وتزويدها بمعلومات متجددة وحقيقية، تضيفها إلى طاقة نشاطها المستمر، من خلال بياناتها التي تعلنها من وقت لآخر. مع الأخذ في الاعتبار أن الرأي العام هناك معرض لحملات منظمة لدفع أفكاره في اتجاه معين.

بالطبع فإن هذا الباب الموارب لن يكون بديلاً عن العمل السياسي الرسمي لدول منطقتنا، والتي صارت تمارس سياسات تتنوع فيها علاقاتها الخارجية بمختلف دول العالم، وهو ما أضفى على أدائها قدرة على التوازن في العلاقات الخارجية مع مختلف الدول.

وهذا ما تأكد عملياً أثناء قمة مجلس التعاون الخليجي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في جدة، حيث تأكدت فيه إيجابية صنع القرار وتنفيذه سواء مع الإدارة الأمريكية، أو مع دول مختلفة، وفقاً لدواعي المصلحة الوطنية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/32uzhh99

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"