عادي

عائشة الكعبي.. رائدة القصة القصيرة جداً

23:15 مساء
قراءة 4 دقائق

علاء الدين محمود
في هذه الزاوية، نحتفي بمجموعة من أبرز مبدعينا الذين قدموا لمسات أدبية جمالية وإمتاعية، أثرت الوجدان، وارتقت بذائقة القراء، منحونا زاداً عبّر عن إنجازات الوطن وتحولات المجتمع وهموم البشر، كانوا ذاكرتنا التي تؤرخ للمكان ومدونتنا التي عبرت بصدق وإخلاص عن آمالنا وأحلامنا، هم قناديلنا التي نسترشد بها في دروب الحياة.

«الكتابة عندي تعني الخلود والبصمة التي أؤثث لها في هذا العالم، عبر تلك الروحانية، والتواصل الإنساني الذي يفوق العمر والتواجد الجسدي»، هذا الحديث للقاصة والمترجمة والإعلامية والباحثة الإماراتية عائشة الكعبي، يحمل الكثير من المضامين والدلالات، ويؤكد أن اختيارها للكتابة لم يأت صدفة، بل من خلال تجربة عميقة وتأمل مستمر في الحياة والعلاقات بين البشر، حيث إن الإنسانية، بكل اختلافاتها، هي الهدف الذي تنشده عبر نصوصها التي تتمثل توجهاتها الفكرية والجمالية، ويبدو ذلك الأمر أكثر وضوحاً من خلال قولها: «أنا أكتب للإنسان منطلقة من الذات إلى حيث الآخر الذي يشترك معنا في الكثير من السمات الإنسانية المتناغمة»، وذلك يشير إلى أن الكعبي تنطلق من رؤية تنهض بخطابها السردي الذي ينشد إعادة صياغة العالم على أسس من التقارب والتسامح والمحبة والجمال والتعارف بين الثقافات المختلفة.

منذ وقت باكر من طفولتها ظهرت موهبة الكعبي الأدبية، ولعل العامل الأول الذي شكل وجدانها، تلك الحكايات التي كانت تسردها عمتها والقصائد التي تلقيها والدتها في جلسات صباحية، حيث كانت الوالدة تحفظ الكثير من عيون الشعر الشعبي الإماراتي وتراثه الأصيل، وكانت الكعبي الطفلة تنهل من تلك الحكايات والأشعار وتستفيد منها، حيث مثلت تلك القصص والقصائد لها معيناً ينمي من مواهبها الإبداعية، وهو الأمر الذي انعكس على نشاطها الأدبي في المدرسة فكانت من أوائل المشاركات في المناسبات والحفلات المدرسية التي تحتشد بالأنشطة الثقافية، مثل المسرح والموسيقى، فكانت الكعبي ضمن الطالبات اللواتي برزن في ذلك المجال، إضافة إلى تجويدها للقرآن في ذلك الوقت الباكر، الأمر الذي مكنها من الحصول على جوائز تشجيعية في تلك الفترة، وهي لا تزال طفلة، وذلك الشيء لفت انتباه والدها الذي شجعها ورعاها.

بدايات

وجدت الكعبي اهتماماً كبيراً من أفراد أسرتها، خاصة أنهم كانوا يحبون الأدب والقراءة، حيث كان لأختها الكبرى مكتبة تضم العديد من المؤلفات في شتى أشكال وأنواع المعرفة، فكانت الكعبي تطّلع على محتوياتها، خاصة روايات نجيب محفوظ، ويوسف السباعي، والأدب العالمي، ومن خلال تلك العوالم والأجواء المحرضة على الإبداع بدأت الكعبي بتحسس قلمها لتمارس كتابة المسرحيات والخواطر والأشعار القصيرة، كما كانت تمتلك موهبة في حفظ القصائد وتلحينها في المدرسة، وكان أن كتبت أول نص مسرحي في تلك الفترة بعنوان «لمن يهمه الأمر»، وحصلت بها على المستوى الأول ولقيت تقديراً كبيراً من الأسرة المدرسية.

القصة

انتقلت تلك المواهب الإبداعية مع الكعبي إلى المرحلة الجامعية في جامعة الإمارات، وهناك بدأت رحلتها مع كتابة النصوص القصصية عام 1991، حيث كانت البداية بنص حمل عنوان «الشمعة»، والتي نشرت في صحيفة الاتحاد بتشجيع من جمعة اللامي صاحب الفضل الكبير في مسيرة الكعبي، حيث عرّفها إلى الساحة الأدبية والملتقيات الثقافية، وكان ذلك النص «الشمعة»، هو بمثابة البداية التي لقيت قبولاً كبيراً، والشرارة التي تبعتها العديد من الأعمال القصصية، وتقول الكعبي عن تلك التجربة: «حين كتبت (الشمعة) لم أكن أعرف بالضبط كيف كتبتها، ولم أتوقف عند اختيار الموضوع، ولا شخصية البنت البطلة الحاقدة على أهلها، كانت هناك مسابقة للقصة القصيرة وقررتُ بناء على توجيه البعض المشاركة فيها».

بيات

الكعبي، وبعد أن أكملت المرحلة الجامعية، شدت الرحال نحو الولايات المتحدة الأمريكية في بعثة دراسية، فكان أن توقفت عن الكتابة والنشر، ودخلت في مرحلة بيات أدبي، وكان غرض الكعبي من ذلك الأمر هو إعادة اكتشاف شخصيتها وكتاباتها من أجل صياغتها بصورة أكثر إبداعية، وبعد أن عادت من تلك البعثة كتبت نصاً قصصياً بعد تجربتها مع الزواج والأمومة، وجاء بعنوان «علياء مهددة بالانقراض»، وهو يتناول تجربة الغربة وعوالمها ومعاناتها، ثم عدداً من النصوص التي ضمنتها في مجموعتها القصصية الأولى «غرفة القياس»، الصادرة عن دائرة الثقافة في الشارقة عام 2007، وتتناول فيها الكعبي المجتمع وقضايا المرأة والحياة بصورة عامة، وتحتشد بالعديد من الرؤى والأفكار والأساليب السردية المتنوعة.

ومضة

انتقلت الكعبي نحو كتابة القصة القصيرة جداً، أو ما يعرف ب«الومضة»، وأنتجت العديد من النصوص التي ضمنتها في مجموعة حملت عنوان «لا عزاء لقطط البيوت»، عام 2010، وهي التي وجدت صدى كبيراً خاصة أنها تناقش بطريقة رمزية العديد من القضايا الاجتماعية، وفازت عبرها بجائزة المرأة الإماراتية للآداب والفنون عام 2011، وتقول الكعبي عن تلك التجربة: «حين سافرت لأمريكا، كنت مهتمة جداً بالتعرف إلى أحدث التطورات في القوالب الأدبية المعروفة والحديثة، من هناك اجتذبتني القصة القصيرة جداً، فكنت أول كاتبة إماراتية تكتبها»، والحقيقة أن اللغة كان لها دورها في اتجاه الكعبي لكتابة القصة القصيرة جداً، فهي تعتقد أن العربية تبدو وسيطاً مثالياً للإبداع القصصي المكثف، والمختصر جداً، وقادرة بحمولتها الثقافية على استيعاب كل البنية السردية التي لا تتعدى بضعة أسطر أحياناً، وتقول عن ذلك: «أعتقد أنه من ناحية فنية سردية بحتة، أن اللغة العربية تبدو مثالية لكتابة القصة القصيرة جداً، لكونها مختلفة فهي مكثفة، والكلمة الواحدة تعطيك أكثر من معنى».

إلى جانب الكتابة، تميزت الكعبي في مجال الترجمة، حيث رفدت المكتبة العربية بالعديد من الأعمال الأدبية العالمية المترجمة، منها: «أرقام في الظلام»، وهي مجموعة قصصية للكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو، وكذلك نقلت إلى العربية عدداً من نصوص الأديب الروسي تشيخوف، والهندي طاغور، وتقول الكعبي عن تلك الترجمات: «تعرفت إلى عوالم إبداعية تستحق أن تطرح للقارئ العربي، لما فيها من لحظات استنارة وحكمة وإلهام».

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/39z2v27b

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"