كارثة العصر.. والإغاثة العالمية

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

وسط المخاوف والأخبار المقلقة والتوترات اليومية من تداعيات التحولات الكبرى الطبيعية والعسكرية، والتي تؤذن بمرحلة جديدة في العديد من الدول، باتت الأحداث المؤثرة تهدد العديد من دول العالم المتقدم خاصة في القارة الأوروبية التي تعاني، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها في اقتصاد تلك الدول فإذا بها تفاجأ بكارثة أخرى لا تقل فداحة في تأثيرها عن الحرب الروسية الأوكرانية، ألا وهي انخفاض مستوى المياه في الأنهار، ما يهدّد بنقص المياه في دول كثيرة، وبالتالي سيُلقي بآثار خطرة على الحياة في تلك الدول؛ إذ تعتمد في زراعتها وثروتها الحيوانية وحياتها على مياه الأنهار، مما ينذر بكارثة كبرى.

ومن هنا، فإن العالم أجمع يتابع هذه التحولات الطبيعية بذهول وقلق بالغين، خاصة أن البشرية لا تزال تعاني الآثار الاقتصادية والصحية والاجتماعية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا. وما كادت بعض الدول تخفف من آثار تلك الجائحة خاصة بعد زوالها حتى توالت كوارث أخرى لا تقل فداحة عنها، خاصة في تأثيرها في الاقتصاد العالمي، ومنها الحرب الروسية الأوكرانية التي لا تزال مشتعلة، ولا تزال آثارها الاقتصادية تهدّد وجود العديد من الدول، خاصة الدول الفقيرة التي باتت تعاني شللاً اقتصادياً قد يُنذر بكوارث لا حصر لها.

وحتى الدول الغنية في القارة الأوروبية على وجه الخصوص، وقعت في أزمة اقتصادية كبرى، بسبب تعطل سلاسل الإمداد والتوريد، وتوقف عجلة الإنتاج لأشهر طويلة فيها. وما زاد الطين بلة، هو تلك العقوبات الاقتصادية المتبادلة بين دول الغرب وحلفائها في العالم من جهة، وبين روسيا من جهة أخرى، ما أدى إلى إدخال الاقتصاد العالمي في أزمة حقيقية.

ليت الكوارث توقفت عند هذا الحد، الحرب الروسية الأوكرانية وجائحة كورونا. فقد زادت عوامل المناخ من صعوبة الوضع الاقتصادي العالمي، وخصوصاً في قارة أوروبا التي تشهد موجة جفاف لم تحدث منذ خمسة قرون؛ إذ أدى تراجع معدل هطل الأمطار إلى انخفاض مستوى المياه في أنهار كانت قوية؛ بل أشبه بالبحار مثل نهر الراين في ألمانيا، ونهر لوار في فرنسا، ونهر بو في إيطاليا، ونهر الطونة (الدانوب) في صربيا، ما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على الصناعة والشحن والطاقة وإنتاج الغذاء.

وفي هذا الخصوص، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، شعبه «للاستعداد من أجل بذل جهد أكبر والتضحية، في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحولاً كبيراً واضطراباً مع نهاية الوفرة».

وعلى الجانب الآخر تعاني دول أخرى كوارث طبيعية، حيث تواجه منطقة القرن الإفريقي كارثة جفاف هي الأسوأ منذ نحو 40 سنة. في الصومال وحدها، تعاني 90% من مناطق البلاد بشدّة، آثار الجفاف. وقد تسببت السيول والفيضانات التي نجمت عن الأمطار الموسمية الغزيرة بمقتل أكثر من ألف شخص، وإصابة وتشريد الآلاف في أكثر من مكان في العالم.

إن الدول الإفريقية والآسيوية التي تتعرض لكوارث طبيعية تعاني أساساً ضعف التنمية، وشح الموارد، وفي نفس الوقت لم تعد تتلقى أي مساعدات دولية، بسبب تراجع التمويل لوكالات الإغاثة الدولية من قبل الدول الغنية المانحة كالولايات المتحدة، وبريطانيا واليابان. وقد كشفت تقارير إعلامية أن وكالات الأمم المتحدة لشؤون الإغاثة الدولية، تواجه نقصاً قياسياً في تمويل المساعدات الإنسانية للبلدان في جميع أنحاء العالم. وذكر تقرير المساعدة الإنسانية العالمية لمبادرات التنمية أن الأموال التي تنفقها الحكومات، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي على المساعدات الإنسانية العالمية، انخفضت بمقدار 284 مليون دولار (1.2%) العام الماضي.

وقد خفضت حكومة المملكة المتحدة إجمالي التمويل الإنساني بنحو الثلث. وجمّدت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية جزءاً كبيراً من أموال المساعدات الخارجية التي وافق عليها الكونغرس بالفعل، ما أوقف قدرة الوكالات على توزيع ما قدّر بملياري دولار إلى 4 مليارات دولار. ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا مطلع العام الجاري، فقد وجهت الولايات المتحدة ودول الغرب، اهتمامها لتمويل الحكومة الأوكرانية كي تعزز صمودها في مسعى من تلك الدول لإفشال خطط روسيا، وكان المتضرر الأكبر من جراء ذلك، هو وكالات الإغاثة العالمية التي زادت معدلات التراجع في تمويلها، مما سيؤدي بلا ريب إلى منع تلك الوكالات من القيام بمهماتها في إغاثة الفقراء والمحتاجين الذين يعيشون في مدن تغرقها السيول والفيضانات، وهناك دول تعاني نقص المياه. ولا شك في أن العالم على أبواب أزمات كثيرة تهدّد حياة الإنسان، ليس فقط في الدول الفقيرة؛ بل أيضاً داخل الدول الغنية.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/39nb8tde

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"