مفارقات الحب في حب الثقافة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل ثمّة إحصائيات موثوقة لعدد أبيات الغزل في تاريخ الشعر العربي؟ أضف إليها مخزوناً كبيراً في ألوان الحب الأخرى، في التصوف، الوطن، الأم... ما طاب لك، ولا تنس اللغة، قطعاً. هل تعلم أنه في كل الهجاء العربي، لا يوجد ما هو أقذع من قول حافظ إبراهيم فينا، نحن أهل العربية: «وَلدتُ ولمّا لم أجد لعرائسي.. رجالاً وأكفاء، وأدتُ بناتي». كلام كبير يا شاعر النيل. ما يزيد الطين بلّة، التورية في الوأد: «بأيّ ذنب قتلت»؟ عيب، يا أستاذ حافظ، نحن اليوم، ما شاء الله، أربعمئة مليون نسمة، فهل تظّن عشق العربية لدينا مجرّد نسمة؟ صحيح أن العربية ليست في أبهى عصورها، ولكننا حتى في البحث العلميّ والنقد المنهجي الأكاديميّ النزيه، نأبى التخلي عن العنتريات. نحن نحبّ لغتنا حبّاً لا يحتاج إلى براهين عقلية عقلانية. حبّنا لا نترجمه إلى تبسيط قواعد العربية، حتى تتعلمها بناتنا وأبناؤنا بيسر، فلا يقضون ست عشرة سنة، من الابتدائية إلى نهاية الجامعة، من دون تعايش سلمي واحترام متبادل مع لغتهم. 
من محاسن الظروف أن القوانين السائدة عاقلة دمثة الأخلاق، فسوء معاملة العربية لا يعدّ عنفاً أسريّاً، لا قدّر الله. من يا ترى رأى يوماً لغتنا الجميلة تدخل مخفر شرطة: أخي الضابط: إن فلاناً لوى عنقي بنصب الفاعل ورفع المفعول. صدّقني، لقد تركت أخوات كان وأخوات إنّ، بين نوح وعويل، لأنه لا يعرف الفرق بينهنّ. أمّا أن نترجم حبّ اللغة إلى تطوير مناهج العربية، فاسأل خبراء التطوير: هل يُعقل أن يفكر من ليس بمجنون في تطوير العشق؟ التطوير يكون من الحنطور إلى السيارة، ثم إلى الطائرة فالمركبة الفضائية، أمّا الحبّ فإنه إذا تطوّر صار جنوناً، والدليل مجنون ليلى. ثم إن الحب أصلاً أعمى. كيف نطوّر العمى؟ 
بعض المتشبثين بالمنطق، يتساءلون: لو كنّا نحب لغتنا حقّاً، هل كنّا نسمح لمن لا معرفة لهم بالعربية، ولا باع لهم في كتابة كلمات الأغاني، ولا حتى ذوق لهم، بأن يشوّهوا أذواق النشء الجديد؟ بل إن حبّنا لموسيقانا هو الآخر محل شك وريبة. الأدهى: هل المشتغلون بالموسيقى يحبّون الموسيقى حقّاً والفن صدقاً؟ هل يعشقون أوطانهم وشعوبهم وأمّتهم؟ 
لزوم ما يلزم: النتيجة الانزلاقية: الحمد لله على انتهاء العمود، وإلاّ فإن هذا الموضوع متاهة تجعلك لا تستثني شيئاً في الثقافة. قفص الاتهام لا يتسع للجميع.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/84h5mc79

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"