هوية الأدب

23:14 مساء
قراءة دقيقتين

د.باسمة يونس

تلعب الحكاية والأدب دوراً مهمّاً في الحفاظ على التراث البشري والثقافة والتنوع، وحثّ الشعوب على الاعتزاز بهوية وطنية تصوغها عناصر التراث وترسم ملامحها بما تحتوي عليه.

لذلك كان من المهم أن يسهم الكتّاب والمبدعون في السرد بشكل أكبر في الحفاظ على التراث، من خلال قصصهم التي تستلهم ملامحها من روح التراث الشعبي، وتنبش في خباياه عن تفاصيله ورموزه وتستعين بالدلالات التي تعزز السرد وتعبّر عنه وتميّزه.

ويحوي التراث من القصص ما يلهم المبدعين ويساعدهم على كتابة أعمال إبداعية تظل صالحة لكل زمان وعصر، فما يتوارثه الأجيال من أساطير أو أمثال عامرة بقيم الخير تظل الأبقى وتعتبر مرجعية ثقافية تسهم في تشكيل نواحي الإبداع الإنساني.

لقد أعاد بعض المبدعين إنتاج بعض رموز ثقافتهم الشعبية، باعتبارها جزءاً من هويتهم الثقافية وتجارب الأجيال الإنسانية والاجتماعية التي يجب أن تتواصل مع المستقبل ليستفيد الآخرون منها، ويعرفوا كيف أسهم التراث الشعبي على مر العصور في صياغة هوية المجتمع وشخصيته الحضارية وتميز كل شعب عن الآخر. ولا يزال معظم الكتاب الشباب يبدأون حياتهم الأدبية بأعمال تستقي من ملامح التراث مادتها الرئيسية ثم يتجهون نحو الكتابة التي لا تلتفت إلى مفاصل الهوية تحت تأثير أوهام النجاح بوهم العالمية غير آبهين بذلك، لاعتقادهم أن التوغل في المحلية والاستثمار في التراث يحبسان الإبداع ويمنعان رواجه، هؤلاء كبروا وهم لا يملكون الوعي بأهمية التراث الشعبي، بوصفه الطريق الآمن نحو العالمية وليس العكس.

ومع ظهور تفاوت كبير في تناول الكتاب للتراث في إبداعاتهم، لابد من البحث وإجراء الدراسات لمعرفة ما يجعل الغالبية العظمى من الكتاب الشباب لا يتعاطون معه بل لا يعتبرونه مهمّاً.

ما هو السبب أولاً وأخيراً في عدم وعيهم بما يخزنه التراث من آلاف الصور التي تشكل مكونات ثقافية وحضارية وعاملاً من عوامل استمرار التنمية والإبداع بما يشمله من العادات والمعتقدات الشعبية والأغاني والرقصات، وغيرها من المضامين والقيم الجمالية التي سيزيد استلهامها من قيمة أعمالهم؟.

وكيف لا يعرفون بأن شهرة العديد من الكتّاب والفنانين العالميين جاءت من النبش في التراث، واستلهام القصص التي تمثل أصالة الماضي وروايات خرجت من خزينة معرفية تضيء على ثقافتهم الشعبية لتميزهم عن الآخرين؟

إن ما يزخر به التراث الإماراتي من مظاهر وثقافة خصبة وتنوع، يتمثل في البيئة البرية والبيئة البحرية ومكوناتهما ومظاهرهما الطبيعية، يجعل استغلالها الاستغلال الأمثل في الفن والأدب يحقق نتائج ابداعية كبيرة، فليس هناك إبداع من دون تمثل للثقافة الشعبية أو التراث، والمبدع كان أديباً أو فناناً ابن مجتمعه وبيئته التي تصوغ تجربته وتمد رؤيته بالثقافة والتراث الموجودين فيها.

وفي الواقع، يمكن القول بأن التراث لم يستغل إلى الآن بما فيه الكفاية، ليس فقط في الإمارات ولكن على المستوى العربي عموماً، ليس كما استفاد منه الغرب في ابتداع أشكال تعبيرية جديدة، سمحت لكتابه بولوج مساحات ومسارات أضافت الجديد إلى أعمالهم المثيرة للدهشة.

إن التراث هو الفضاء الأرحب والامتداد نحو مستقبل الإبداع المضمون بكنز من القصص واللوحات المستلهمة من كل ما يمتلئ به من رموز لها خصائصها وهويتها الإنسانية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8budha

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"