حرب الغاز

00:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

بعد ساعات من مناقشة وزراء مالية دول «مجموعة السبع» الاقتراح الأمريكي البريطاني بوضع سقف سعر لصادرات النفط الروسي، أعلنت شركة «غازبروم» الروسية العملاقة أنها لن تعيد ضخ الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر خط الأنابيب «نوردستريم1»، بعد نهاية الصيانة مطلع سبتمبر/ أيلول.

صحيح أن هناك خطوط أنابيب أخرى تنقل الغاز الروسي إلى أوروبا مثل خط «ترانس غاز» البري الذي يمر من أوكرانيا، ونظيره خط “يامال-يوروبا” الذي يمر عبر بيلاروسيا وبولندا، وغيرهما، لكن الخط البحري الشمالي يعد في غاية الأهمية. ويعني القرار الروسي تصعيداً في حرب الغاز مع أوروبا تحديداً، خاصة مع قدوم فصل الشتاء.

وتشكل حرب الطاقة، من غاز ونفط، جبهة مهمة في الصراع بين روسيا والغرب منذ بدأت الحرب في أوكرانيا. وتسعى واشنطن، ومعها لندن، إلى حرمان موسكو من مليارات الدولارات التي تحصل عليها من عائدات صادراتها من النفط والغاز، خاصة لأوروبا. وكي لا تبدو أوروبا غير داعمة لأوكرانيا، فهي تشارك في العقوبات على روسيا رغم الضرر الذي تتعرض له نتيجة عدم توفر بدائل للغاز الروسي الذي تمثل وارداته نحو نصف استهلاكها.

ورغم أن أسعار الغاز والكهرباء ترتفع في أوروبا وبريطانيا، منذ العام الماضي، أي قبل حرب أوكرانيا، إلا أنها تضاعفت أكثر من ست مرات نتيجة العقوبات وخفض الروس إمداداتهم. وفي حال استمرار حرب الغاز وتصاعدها ستتضاعف أكثر من عشر مرات. وخطورة ذلك أنه يجعل الدول الأوروبية في وضع غاية في الصعوبة لحاجتها لتوفير الإمدادات من السوق الفورية، ومن الغاز الطبيعي المسال، وهو أعلى سعراً بكثير من الغاز الطبيعي الذي يضخ عبر خطوط الأنابيب.

وتصّر الشركة الروسية على أن العطل في التوربين الوحيد المتبقي على خط «نوردستريم1» هو السبب في قطع الإمدادات عبره، وأنها لا تستطيع إصلاح الخلل في الموقع، وتحول العقوبات الغربية دون إصلاح التوربين في ورشة متخصصة. ويصّر الأوربيون على أن القرار دافعه سياسي واستخدام للغاز كسلاح في الصراع بين موسكو والغرب بسبب حرب أوكرانيا. وأتصور أن كليهما على حق، فالعقوبات تؤدي إلى أعطال وتدهور في نظم الطاقة وروسيا تستخدم الطاقة للضغط على أوروبا.

وفي النهاية، يدفع الفرد في دول أوروبا ثمن ذلك الصراع، وبدأ الناس بالفعل يتذمرون، ولا يبلعون تلك المبررات التي يسوّقها السياسيون ويرون أن حكوماتهم هي المسؤولة عن إفقارهم.

من هنا، جاء ابتكار العقوبات غير المسبوقة بفرض سقف سعر على مبيعات النفط الروسي من قبل الدول الغربية، على اعتبار أن ذلك لن يحرم السوق العالمية من الصادرات الروسية، وفي الوقت نفسه يحرم موسكو من العائدات المالية الكبيرة، لكن هناك شكوكاً قوية في إمكانية نجاح ذلك النظام غير المسبوق في العقوبات، فلا روسيا ستقبل به، ولا كثير من دول العالم سيشارك فيه. وذلك شرط أساسي كي ينجح نظام سقف سعر النفط.

الأرجح، إذاً، أن تستمر أزمة الطاقة في أوروبا، ويستفيد قطاع الغاز الطبيعي الأمريكي من زيادة مبيعاته لأوروبا لتعويض النقص الناجم عن توقف الإمدادات الروسية، بل وكذلك تستفيد بريطانيا بقدر ضئيل من إعادة تصدير واردات الغاز الطبيعي المسال إليها للدول الأوروبية التي تحتاجها بشدة، لكن الكمية الإضافية للإنتاج في السوق العالمية لا تكفي لتعويض أكثر من سبعة ملايين برميل يومياً من نفط روسيا، ولا لسد حاجة أوروبا من الغاز.

وفي حال استمرار الأزمة بين أوروبا وروسيا، ستشهد أسعار الطاقة ارتفاعاً أكبر، وبالتالي سيتباطأ النمو الاقتصادي العالمي أكثر ويتعمق الركود المتوقع.

ويظل المخرج الأفضل لأوروبا والعالم هو الدفع باتجاه عدم إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، وليس زيادة صب الزيت على النار بالسلاح والعقوبات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ekhm9ev

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"