كلايد روسل *
يستعد السعر الفوري للغاز الطبيعي المسال لطفرة أخرى في ظل الأوضاع القاسية في السوق العالمية، حيث تقوم روسيا باستخدام خطوط أنابيبها إلى أوربا كورقة ضغط على القارة التي سوف تزداد حاجتها من الإمداد مع دخول فصل الشتاء المقبل.
وقبل إعلان روسيا عدم إعادة تشغيل خط أنابيب «نورد ستريم 1» كما هو مخطط، وقولها إن هنالك تسريباً نفطياً، انتهت العقود المتداولة في نيويورك في تاريخ 2 سبتمبر/ أيلول عند سعر55.25 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بحسب مؤشر ستاندرد آند بورز جلوبال لسعر غاز «جيه كي إم» الآسيوي المعياري.
تلك هي الضبابية التي تحيط الآن بإمدادات خط الأنابيب الروسي إلى أوروبا، لدرجة أنه لم يتضح على الفور ما إذا كان الفشل في استئناف هذا الخط، والذي يمتد تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا، يعود بالفعل لمشكلة فنية يمكن حلها، أو أنه جزء من حملة ضغط واسعة تشنها موسكو رداً على دعم أوروبا لأوكرانيا في ظل الحرب الجارية بين البلدين.
ومن الممكن بالتأكيد أن تسجل أسعار الغاز الفورية ارتفاعاً قياسياً جديداً يفوق أعلى مستوى لها على الإطلاق، والذي بلغ 69.955 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، حيث من المرجح أن تكون المرافق الأوروبية في أمسّ الحاجة لتأمين غاز طبيعي كافٍ لفترة ذروة الطلب القادمة في فصل الشتاء؛ وبالفعل، فإن المشاركين في السوق ينظرون إلى إمدادات خطوط الأنابيب الروسية إلى أوروبا على أنها غير موثوقة بطبيعتها، على الرغم من أن بعض الغاز لا يزال يتدفق عبر خطوط الأنابيب عبر أوكرانيا وتركيا.
وفي حين أن أي ارتفاع لسعر الغاز الطبيعي في آسيا سيستحوذ على وسائل الإعلام، مع سعي المشترين الأوربيين إلى التحول عن المورد الحالي، وهو أيضاً أمر قد يرفع السعر الفوري، إلا أن تحولات ديناميكية مهمة السوق ما زالت حالتها خفية.
والجدير بالذكر أن في آسيا يتم تداول نحو الثلث فقط من أحجام الغاز الطبيعي بالأسعار الفورية، فيما يتم تسعير أغلبيته مقابل النفط الخام في العقود طويلة الأجل.
وعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط الخام في أعقاب هذه الحرب، فإن كلفة الغاز الطبيعي المسال المسعرة مقابل النفط تقل الآن بكثير من السعر الفوري، كما أن الخصومات هي الأوسع على الإطلاق في بيانات رفينيتيف التي تعود إلى عام 2012، ولا يتم الإفصاح عن عقوده طويلة الأجل بشكل علني، ولكن معظمها يعمل على أساس التسعير كنسبة مئوية من النفط الخام القياسي، وقد يتم ربط العقد النموذجي بنحو 14.5% من النفط الخام الياباني «كوكتيل النفط الخام الياباني»، وهو سعر يعتمد على كلفة التخليص الجمركي للنفط الخام في اليابان.
وحتى الآن تراجعت أسعار النفط الخام هذا الشهر، وسط مخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي، في حين كانت أسعار الغاز الطبيعي المسال الفورية متقلبة وتميل إلى التداول بناء على عناوين وسائل الإعلام حول حالة المستودعات الأوروبية وإمدادات خطوط الأنابيب الروسية، ولكن التوجه كان واضحاً منذ الحرب الأوكرانية؛ أي أن الأسعار الفورية أصبحت الآن مرتفعة بشكل كبير على العقود طويلة الأجل والمرتبطة بالنفط، ويُعد هذا انعكاساً للاتجاه الذي ساد جُلّ الوقت من السنوات العشر الماضية، حيث كانت الأسعار الفورية تميل إلى التداول دون سعر «الكوكتيل الياباني»، باستثناء فترات قصيرة نسبياً خلال ذروة الطلب الشتوي على الغاز.
من الناحية التطبيقية يعني هذا أن المشترين الذين كانوا في الماضي قادرين على الاستفادة من انخفاض الأسعار الفورية في المتوسط، كالهند وباكستان، يجدون أنفسهم الآن خارج السوق، وعلى العكس من ذلك، فإن المستوردين، كاليابان وكوريا الجنوبية ثاني وثالث أكبر مشترين للغاز الطبيعي المسال في العالم، هما في وضع أفضل نسبياً نظراً لأن الجزء الأكبر من مشترياتهما يخضع لصفقات عقود طويلة الأجل.
تفوقت الصين على اليابان كأكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، العام الماضي، ولكنها قد تتخلى عن اللقب هذا العام، وهي تُعد حالة مثيرة للاهتمام، حيث تحافظ على الواردات بموجب عقود طويلة الأجل، ولكن على ما يبدو أنها تقلص الشحنات الفورية، حيث استوردت في أغسطس/ آب 4.81 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال، وفقاً لبيانات رفينيتيف، انخفاضاً من 5.11 مليون في يوليو/ تموز، بينما بلغ الواصل منذ بداية العام وحتى الآن 41.0 مليون طن، بانخفاض 22% عن 52.4 مليون طن في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2021.
ومن المتوقع أن تصل واردات الهند من الغاز إلى 1.47 مليون طن في أغسطس/ آب، وهو أدنى مستوى منذ فبراير/ شباط، بينما يُقدر الواصل حتى تاريخه بنحو 13.4 مليون طن بانخفاض 15.7% عن الفترة نفسها من عام 2021.
وعلى عكس الصين والهند، فإن واردات اليابان من الغاز مستقرة بشكل ملحوظ حتى الآن في عام 2022، حيث أظهرت بيانات رفينيتيف وصول 51.3 مليون طن في الفترة من يناير إلى أغسطس، بانخفاض طفيف عن 52.1 مليون طن خلال الفترة نفسها في عام 2021.
ومع ارتفاع واردات أوروبا بنحو 63% في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022 إلى 85.3 مليون طن، فمن الواضح أن الشحنات يتم سحبها إلى البلدان الأكثر قدرة على دفع أسعار فورية مرتفعة، ولكن وجود عقود طويلة الأجل مرتبطة بالنفط يعني أن أوروبا ربما لن تكون قادرة على سحبه كما يحلو لها، بغضّ النظر عن السعر الذي تكون مستعدة لدفعه.
* كاتب متخصص في «رويترز»