عادي

أزمة تايوان وعقدة المضيق

00:51 صباحا
قراءة 4 دقائق

إعداد- أحمد البشير
بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان في أوائل أغسطس/ آب، أجرى الجيش الصيني بعضاً من أكبر التدريبات العسكرية على الإطلاق في جميع أنحاء الجزيرة. واجتاحت الطائرات الحربية الصينية مضيق تايوان وأطلق جيش التحرير الشعبي الصيني صواريخ فوق المنطقة.

حددت تلك التدريبات العسكرية الصينية ما كان يخشى بعض المحللين والمسؤولين من أنه قد يصبح «الوضع السائد الطبيعي الجديد» عبر المضيق، أي وجود دائم لجيش التحرير الشعبي الصيني الذي يقترب أكثر فأكثر من تايوان.

وفي غضون ذلك، تعهد المسؤولون الأمريكيون بأن تواصل واشنطن مسيرتها في «دعم الديمقراطية في تايوان»، وأن «أساليب الترهيب الصينية» سيتم التصدي لها. ومؤخراً، أرسلت القوات البحرية الأمريكية السفينتان الحربيتان «أنتيتام» و«تشانسيلورزفيل» إلى مضيق تايوان، الذي تطالب بكين بالسيادة عليه بموجب القانون الصيني وتفسيرها لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فيما تصرّ الولايات المتحدة ودول أخرى على أن المضيق هو مياه دولية بموجب معاهدة الأمم المتحدة.

ويقول كولين كوه، الزميل الباحث في كلية «إس. راغاراتنام» للدراسات الدولية، إن هذه هي المرة الأولى منذ أربع سنوات على الأقل التي ترسل فيها البحرية الأمريكية سفناً حربية للمضيق، مضيفاً أن «وجود سفينتين بدلاً من سفينة واحدة للقيام بهذه المهمة هو بالتأكيد دليل أكبر للاحتجاج ليس فقط على التدريبات العسكرية الأخيرة التي أجرتها بكين في مياه تايوان عقب زيارة بيلوسي، ولكن أيضاً رداً على محاولة بكين تقويض الوضع السيادي للممر المائي، وحق حرية الملاحة فيه».

ليس تهديداً

ولكن ما كان مفاجئاً للمحللين هو الرد الهادئ من بكين، إذ قالت قيادة المسرح الشرقي في الجيش الصيني إنها قامت بمراقبة السفينتين وحافظت على حالة تأهب قصوى وأنها «مستعدة لإحباط أي استفزاز».

وحتى صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية، المعروفة بافتتاحياتها القومية المتشددة في كثير من الأحيان، قالت إن وجود السفينتين «لا يشكل تهديداً فعلياً لأمن الصين».

وأثارت عمليات العبور الماضية استجابة أقوى، فبعد أن مرت المدمرة «يو إس إس بينفولد» عبر المضيق في يوليو(تموز) الماضي، وصف الكولونيل شي يي، المتحدث باسم قيادة المسرح الشرقي في جيش التحرير الشعبي، الولايات المتحدة بأنها «مدمرة للسلام والاستقرار في مضيق تايوان».

وفي وقت سابق من شهر أغسطس/ آب، دعا السفير الصيني لدى واشنطن، تشين جانغ، الولايات المتحدة إلى وقف عمليات العبور البحرية في مضيق تايوان، قائلاً إنها تؤجج التوترات وتشجع «القوات الانفصالية الداعمة لاستقلال تايوان».

وقال تشين للصحفيين في واشنطن رداً على سؤال حول عمليات العبور المحتملة: «إذا كان هناك أي تحرك يضر بوحدة أراضي الصين وسيادتها، فسنرد عليها بحزم».

ونشأ الاستنتاج بوجود «وضع سائد طبيعي جديد» بشكل أساسي من التصور بأن التدريبات التي أجرتها الصين في الفترة من الرابع من أغسطس/ آب إلى العاشر منه، أي مباشرة بعد زيارة نانسي بيلوسي، منحت الجيش الصيني حرية السيادة على المناطق التي أقامت فيها العمليات العسكرية.

ولكن هل منحت هذه التدريبات العسكرية الصين أي مكاسب مجزية؟ ربما كانت هذه التدريبات فرصة لاختبار هيكل حربي جديد، وربما قد نجحت القوات الصينية بمحاكاة حصار أو غزو محتمل.

ومع أخذ كل ذلك في عين الاعتبار، هل يمكن وصف زيارة نانسي بيلوسي بأنها «استفزازية» أو «غير حكيمة»، كما هو موضح في عدد من الصحف والمنشورات الأمريكية؟

من المؤكد أن هذه الخطوة أدت إلى زيادة التوترات بسبب التدريبات العسكرية الصينية، إلا أن وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين، يقول إن الصين «اختارت المبالغة في ردة الفعل واستخدمت زيارة رئيسة مجلس النواب بيلوسي ذريعة لزيادة النشاط العسكري الاستفزازي في منطقة مضيق تايوان».

لكن يبدو أن الصين لا تريد تصعيد المواجهة مع الولايات المتحدة في المضيق، إذ إن بكين قد تكون حذرة من ردة الفعل الدولية، حيث يمكن اعتبار أي محاولة لعرقلة الملاحة البحرية عبر المضيق تهديداً لحقوق السفن من الدول الأخرى في المرور عبر الممر المائي.

وبعد زيارة بيلوسي إلى تايوان، علّقت بكين قنوات الاتصال العسكرية الرئيسية مع واشنطن، ما زاد من خطر حدوث سوء تفاهم أثناء أي مواجهة أو تفاعل بين البحرية الأمريكية والبحرية الصينية.

ويعتقد كارل شوستر، المدير السابق للعمليات في مركز الاستخبارات المشتركة التابع لقيادة المحيط الهادئ الأمريكية في هاواي، أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، سوف يتجنب أي قرار من شأنه أن يعزز فرص وحظوظ الجمهوريين وغيرهم من الأعضاء المعارضين للصين في الانتخابات المقبلة، كما لا يريد من مجلسي النواب والشيوخ سن المزيد من التشريعات التي ستدعم تايوان، أو تحد من الاستثمار والنفوذ الصيني في الولايات المتحدة.

دور تايوان

يشار إلى أن تايوان تعد حلقة وصل مهمة في سلاسل توريد التكنولوجيا العالمية، إذ تستحوذ شركة «تي إم سي» على 90 في المئة من سوق الرقائق المتطورة في العالم، في حين أن الشركات المصنعة مثل «فوكسون» التي تعد أكبر مورد للرقائق لشركة «أبل» الأمريكية، تنتج المكونات الإلكترونية وتقوم بتجميع الهواتف الذكية وإدارة خوادم الإنترنت لمعظم كبرى الشركات حول العالم.

وقد يكون لأي تصعيد في المضيق المزيد من التداعيات المدمرة على اقتصاد تايوان، حيث تذهب 40 في المئة من صادراتها إلى الصين وهونغ كونغ، وفقاً لبيانات صادرة عن شركة «كابيتال إيكونوميكس».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc3k224p

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"