خطر الصعود إلى الهاوية

00:58 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

أول ما يمكن فهمه من لغة التصعيد الروسية التي جرى الدفع بها في الأيام الأخيرة، سواء على مستوى التصريحات والتهديدات، أو على صعيد الإجراءات العملية، وبالتحديد قرار روسيا وقف غاز خط «نورد ستريم-1» الذي ينقل الغاز إلى أوروبا عبر ألمانيا وقفاً تاماً، هو أن «العملية العسكرية الروسية» في أوكرانيا أضحت مأزومة، وأن روسيا تريد تحريك الرأي العام الأوروبي ضد انخراط الدول الأوروبية في دعم أوكرانيا، عسكرياً واقتصادياً، لوقف هذا الدعم، ولدفع الدول الأوروبية إلى التعجيل بخيار طرح الحوار مجدداً مع روسيا، على قاعدة الإيفاء بالمطالب الروسية.

وأبرز التهديدات التي تكشف وجود أزمة حقيقية عند روسيا جاءت على لسان الرئيس الروسي السابق نائب سكرتير مجلس الأمن القومي حالياً، ديمتري ميدفيديف، فهو من ناحية يكشف مستوى التصعيد، لكنه من ناحية أخرى يعطي خط التراجع، عند اللزوم، إذا رأت القيادة الروسية ذلك.

فقد نقلت مجلة «نيوزويك» الأمريكية عن ميدفيديف توجيهه، ما اعتبرته «تحذيراً نووياً صارخاً» لأمريكا وحلفائها، متهماً إياهم ب«الرغبة في الاستفادة من الصراع العسكري من أجل تفكيك روسيا وإقصائها من المجال السياسي»، ونقلت المجلة في تقرير لها قول ميدفيديف، عقب تشييع الزعيم السوفييتي السابق، ميخائيل غورباتشيف، قوله: «هؤلاء الحالمون يتجاهلون بديهية بسيطة: التفكك القوي لقوة نووية هو دائماً مثل لعب الشطرنج مع الموت، حيث يعرف على وجه التحديد متى تنتهي اللعبة، وهو مثل يوم نهاية البشرية»، كما نقلت عنه إشارته إلى أنه «يبدو أن أوكرانيا والغرب مستعدان لترتيب تشرنوبل جديد»، مع تزايد المخاوف من أن النشاط الروسي في محطة (زاباريجيا) للطاقة النووية الأوكرانية قد يؤدي إلى تفجر، أو على الأقل، تسرّب نووي.

كلام ميدفيديف وتحذيراته تحمل معنيين؛ أولهما أن روسيا تخوض في أوكرانيا «حرباً دفاعية» عن وجودها كدولة موحدة متماسكة، وأنها دولة مهددة بخطر الاختراق الغربي لتفكيكها وتقسيمها على نحو ما سبق أن حدث للاتحاد السوفييتي. ثانيهما أنه في حال تعرض روسيا لخطر التهديد لن تتورع عن استخدام قوتها النووية، وأن مثل هذه الخطوة تعني بوضوح شديد «نهاية العالم». أما أهم ما تعنيه فهي تكشف أن «العملية العسكرية» الروسية في أوكرانيا تمر بمرحلة حرجة في ظل كثافة الدعم الأمريكي والأوروبي لأوكرانيا.

أما التصعيد الإجرائي الروسي فقد وصل إلى ذروته بإيقاف تدفق الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب «نورد ستريم -1» وقفاً تاماً، ما يعني أن روسيا قررت تعجيل تصعيد «حرب الطاقة مع الغرب» ابتداء من حلول شهر سبتمبر/ أيلول، وقدوم فصل الخريف «في إشارة سوداء» إلى الأوروبيين تقول إن استمرار تصعيدهم ضد روسيا لن يكون له غير معنى واحد، هو أنهم قادمون على «شتاء قاتل» لن يتحملوا تبعاته، ليس بسبب النقص الشديد في إمدادات الغاز فقط، ولكن لأن الشعوب لن تتحمل هذا النقص، ولا الفواتير المرتفعة بجنون لأسعار الكهرباء.

هذه الخطوة الروسية جاءت بعد ساعات من صدور قرار وزراء مالية «مجموعة الدول السبع الكبرى» بوضع سقف لسعر النفط والغاز المستورد من روسيا، حيث كشف وزير المالية الياباني أن وزراء المالية في مجموعة السبع «قرروا، بالإجماع، تحديد سقف لأسعار إمدادات النفط والغاز من روسيا». إضافة إلى ذلك، أكدت وزارات المالية في دول المجموعة عزمها حظر النقل البحري للمنتجات النفطية الروسية ما لم يتم شراؤها بسعر محدود.

روسيا تدرك أن الهدف من هذه القرارات هو الحرص على تخفيض إيرادات روسيا من صادرات الطاقة، ومن ثم التضييق على اقتصادها ضمن الحرب الاقتصادية التي يجري خوضها ضد روسيا منذ حربها في أوكرانيا. هذا يعنى أن القرار الروسي بوقف خط أنابيب «نورد ستريم-1» عن العمل، ولو مؤقتاً، لم يكن قراراً هجومياً، بل كان قراراً دفاعياً، أو على الأقل رد فعل على تصعيد غربي، وهنا يجدر السؤال عن: من يسعى للوصول بالأزمة إلى حافة الهاوية؟ وما هو المقصود من ذلك: هل إجبار الطرف الآخر على الاستسلام، أم التعجيل بقبول خيار التفاوض لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟

الواضح حتى الآن أن كلا الطرفين، الروسي والغربي، يراهن على أن الطرف الآخر هو من سيستسلم أولاً، لذلك يجيء التصعيد، وهناك توقع بأن حالة «جمود الجبهات العسكرية» الحالي يدفع بجهود في القنوات الخلفية استعداداً لهدنة في ظل حالة الإنهاك الواضحة حالياً على الطرفين، الأوكراني والروسي، لكنها، إن حدثت، ستكون «هدنة مؤقتة» نظراً لطموحات الطرفين في التعجيل بالنصر على الطرف الآخر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2b74tca5

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"