شكسبيريّات الغاز الأوروبي

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

ما أهميّة المحافظين والعمّال إذا دقّت ساعة التراجيديا الشكسبيرية في بريطانيا؟ نحن أمام لغة تاريخية مختلفة، فعلى كل دولة أن تمدّ رجليها على قدر لحاف مستطاعها الجيوسياسي والاستراتيجي. صحيح أن العقل لم يعد له ذلك الوزن البلاغي المعهود في القرون الخالية، لكن، تظل الثقافة قادرة على الصيحات التحذيرية في وجه الترسانات النووية. بُعيد الحرب العالمية الأولى، كانت المشاهد الكاريكاتورية مذهلة: قوة الأسلحة حوّلت الأشكال الحضارية إلى حطام ورماد. وكانت المدارس الأدبية مرايا عاكسة، ظهرت الدادية والسوريالية ومسرح اللامعقول وموسيقى المونتاج، أمّا الفنون التشكيلية فحدّث ولا«هرج».
لا حرج على الجموح الخياليّ في عجائب الفكر السياسي. لكن ماذا تقول في السلوكيات الغربية، الأوروبية بالذات التي صارت تليق بملحق لكتاب «أخبار الحمقى والمغفلين» لابن الجوزي. للأسف هم قدوتنا في مراكز بحوث الاستشراف؟ عشرات الألوف المؤلفة من الباحثين المتخصصين في كل البلاد الأوروبية، والخريطة ممتدّة إلى أمريكا الشمالية، الولايات المتحدة وكندا، أولئك جميعاً لم يستطيعوا أن يفكروا لحظة شكسبيرية واعية: أكون بغاز أو لا أكون؟ هذه هي المسألة.
يكون شتائي دافئاً أو لا يكون؟ هذه هي القضية المصيرية. أوروبا ليست في خط الاستواء. توقف الصناعة متتاليات كرات ثلج.
الثقافة غير بعيدة. حين تتحدث عن السخرية تلوح لناظرك روح الدعابة السوداء البريطانية، الإيرلندية وتسرح في الامتدادات إلى مارك توين، لكن على العاقل ألاّ ينسى أن للجغرافيا السياسية والاستراتيجيّة دعاباتها. كبير الأدباء الساخرين في الأدب الروسي، نيكولاي جوجول، وهو أوكراني، من أهم أعماله الساخرة «المعطف». لا حاجة إلى الذهاب إلى أنها شطحة تنبؤات نوستراداموسية بالأحداث الجارفة منذ الرابع والعشرين من فبراير 2022. كأنه قال لأوروبا: المنقذ من زمهرير الشتاء معطف غاز. ما أهمية التحزّب يميناً أو يساراً إذا كنت تتجمّد؟
المهم: هل لديك غاز؟ هل لديك وقود؟ إذا لم يكن عندك وقود فحياتك ستكون الوقود. الآن لم يعد مهماً أن نعرف من المخطئ ومن المصيب، فوجهات النظر كلها «مصيبة». حذار أن تتوهم أن العندليب الأسمر لديه الحل: «اللي شبكنا يخلّصنا»، فالولايات المتحدة دفعت «توريرو» «الناتو» إلى الحدود الروسية، وابتدأ المشوار المجهول المدى، الذي سيغيّر كل شيء، في كل مكان.
لزوم ما يلزم: النتيجة الأدبية: أوروبا لم تفهم شكسبير، وواشنطن فِراسيّة: «لنا الصدر دون العالمين أو القبرُ»، وفوقه: «إذا متّ ظمآناً فلا نزل القطرُ».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/nhhe36rk

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"