عادي
وُصفت بأجمل لوحة لامرأة

«السيدة أجنيو».. حوارية الرسم والموسيقى

23:55 مساء
قراءة 4 دقائق
1702

الشارقة: علاء الدين محمود

تخلد بعض اللوحات الفنية وترسخ في الأذهان بسبب القصص التي تدور حولها، خاصة تلك التي تتحدث عن تعلق الفنان بموضوع لوحته، وإخلاصه في رسمه إلى درجة التميز والإبداع، حيث إن الفنان لا يحرك ريشته فقط ليرسم تفاصيل اللوحة؛ بل ليجسد مشاعره وروحه.

الرسام جون سنجر سارجنت (1856 1925) يعتبر أحد أهم الفنانين الأمريكيين في عصره، تنقل بين العواصم الأوروبية وأقام أول معرض لرسوماته في صالون باريس عام 1878، لينتقل بعدها إلى بريطانيا، حيث جعل من العاصمة لندن مقراً دائماً له، وأنجز جون أعماله الرئيسية في أوروبا.

يعتبر بورتريه «السيدة أجنيو»، من أهم أعماله الفنية، فههو يعزز شغفه الدائم بصنع عمل إبداعي مكتمل جماليا ودلاليا، والفنان في هذه اللوحة، إضافة إلى الألوان، بالموسيقى؛ كان مشغوفا بموضوع الرسم، وأظهر سيدة اللوحة فضلا عن جمالها، سيدة شديدة الذكاء، وتنتمي إلى عائلة من الطبقات الثرية وهي متعلمة ومثقفة.

قصة

العمل يصور جيرترود أجنيو، زوجة أندرو أجنيو الباروني التاسع، وهي ابنة هون جوران فيرنون وحفيدة روبرت فيرنون، البارون الأول لقلعة يفيدن، وكان زوجها صديقاً للفنان، فطلب منه رسم لوحة لزوجته ليظهر لها حبه الصادق والعميق. وبالفعل بدأ الفنان في رسمها عام 1892، ويقال إن اللوحة التي وجدت نجاحاً كبيراً ومدويا، منحت السيدة أجنيو مزيداً من الأهمية والمكانة الاجتماعية، وهناك تكهنات بأن الأسرة ربما واجهت صعوبات مالية أدت إلى محاولة بيع اللوحة في 1922، ولكن ذلك لم يحدث، وتوفيت أجنيو بلندن في أبريل 1932 بعد اعتلال صحتها لفترة طويلة.

قوة شخصية

كانت أجنيو تتمتع بشخصية قوية، إضافة إلى جمالها وحسنها المميزين، وقد عمد الفنان إلى إظهار ذكائها وشخصيتها المتفردة إلى جانب جمالها، بالتركيز على تفاصيل الوجه واليدين وطريقة الجلوس. ويقال إن براعة الرسام في اللوحة كان لها سبب آخر، حيث إن الفتاة لشدة جمالها وشخصيتها أسرت قلب الرسام، فصار يتفنن في رسمها؛ بل قيل أيضاً إن حبه للفتاة ألهمه ليقوم بعزف الموسيقى أثناء العمل، فكان ينتقل ذهاباً وإياباً بين الفرشاة والبيانو، وكانت النتيجة هي تلك التحفة الرائعة التي أعجب بها الناس والنقاد، ووصفت بأنها أجمل لوحة مرسومة لامرأة في تاريخ الفنّ، حيث ذكر مقال في التايمز البريطانية، في العام ذاته الذي ظهر فيه العمل، أن اللوحة لم تكن انتصاراً للتقنية فحسب؛ بل كانت أفضل مثال على فن البورتريه، بالمعنى الحرفي للكلمة؛ وأشارت الصحيفة إلى أن سارجنت لم يتخل عن أي من دقته المعهودة في اللوحة، ولكنه تخلى عن سلوكياته، واكتفى بعمل صورة جميلة لموضوع ساحر، في ظل ظروف من الارتياح والإلهام. ووصفت الصحيفة اللوحة بالتحفة الفنية.

اللوحة رسمت بألوان الزيت، وتظهر في مشهدها السيدة أجنيو جالسة على كرسي من نوع بيرجير الفرنسي الطراز ويعود للقرن ال 18. وذكر المؤرخ الفني ريتشارد أورموند، أن الجزء الخلفي للكرسي يُستخدم كمساحة منحنية داعمة لاحتواء الشكل، ليخلق مظهراً أنيقاً ومميزاً. وقد صوّر سارجنت الفتاة في وضع طوله ثلاثة أرباع، وتظهر مرتدية ثوباً أبيض مع وشاح من الحرير البنفسجي كإكسسوار حول خصرها، بينما يبدو الجدار خلفها مكسواً بالحرير الصيني ذي اللون الأزرق.

وقد برع الرسام في إظهارها وكأنها تتحدث أو تتفاعل مع الناظر للوحة، وقد لاحظ الناقد أورموند وكيلموراي أن الفتاة تبدو وكأنها تتعافى من الإنفلونزا حينذاك، وهو ما قد يفسر الكسل في وضعها، بينما تظهر البراعة الكبيرة للفنان في الاشتغال على عيني الفتاة، فهما تلمعان بالذكاء الشديد والنظرة الحادة المباشرة التي تظهرها وكأنها ذات ثقافة واستقلالية، وقد وصف كثير من النقاد نظرات الفتاة بأنها «صعبة بهدوء»، و«شيء محجوب وجذاب في ابتسامتها النصفية الملأى بالحيوية». وذكر كثير من المؤرخين الفنيين والنقاد أن اللوحة هي نتاج التفاعل بين شخصية الليدي والرسام القادر على قراءة الآخرين بعمق.

تفاصيل

لا تحتل السيدة أجنيو مساحة الكرسي كله في مشهد اللوحة، فهي تجلس على الجنب، وتحتفظ بنصف ابتسامة تبدو فاترة. وبرع الفنان في توزيع الألوان ودرجاتها المختلفة من الناصع إلى الداكن، ولئن كان الفستان باللون الأبيض متناسباً مع لون الكرسي والخلفية، فإن الوشاح الذي تحمله جاء بدرجة خفيفة من اللون البنفسجي؛ الأمر الذي صنع نوعاً من التناسق، كما أن وضعية اليد اليسرى الممتدة خلف الكرسي تُظهر نوعاً من المكانة السامية والاعتداد بالنفس، حيث إن طريقة الجلسة توضح الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها الفتاة.

شهرة

وجدت اللوحة تفاعلاً كبيراً وعرضت لأول مرة في الأكاديمية الملكية بلندن في 1893، ويقال إن عرضها في ذلك الصرح الفني العظيم كان له أثر كبير في قبول الفنان نفسه كعضو في الأكاديمية في العام ذاته. وتفنن خبراء الفن في الإشادة بها وبالأساليب الفنية التي يتمتع بها سارجنت، حيث أن ذلك البورتريه قد رفع من مكانة الفنان وعزز شهرته في أوروبا، واللوحة شاركت في كثير من المعارض الأخرى منها قاعة كوبلي في بوسطن عام 1899، ومعهد كارنيجي بيتسبرغ خلال عام 1924.

معرض

صارت اللوحة مملوكة للمعرض الوطني الإسكتلندي في العاصمة إدنبرة، حيث مازالت معلقة هناك في إطارها الأصلي من «الروكوكو» الفرنسي القديم، ومن غير المعروف ما إذا كان هذا هو نفس الإطار الذي وصفه سارجنت في رسالة 1893 إلى السير أندرو: «اليوم رأيت إطاراً قديماً أعتقد أنه قد يناسب اللوحة.. إنه مكلف. أعتقد أنه 20 جنيهاً إسترلينياً، ولست أدري ما إذا كانت الصورة تبدو جيدة فيه، فهو بالكاد يستحق هذا السعر».

ويحتفظ المعرض بالعديد من الرسائل والمستندات المتعلقة باللوحة وقصتها منذ رسمها وتنقلاتها المتعددة، ويشير المعرض إلى أن اللوحة كان يطلق عليها اسم «السيدة أجنيو»، ثم صارت تعرف باسم «بورتريه السيدة أجنيو»، برغبة من السيدة أجنيو شخصياً.

الصورة
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8an6pv

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"