حقائب عاطفية

01:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. باسمة يونس
تتنوع معاني «الحقيبة» في معاجم اللغة والمعاني، فهي تعني ما يحمل في اليد لوضع مستلزمات الشخص وأوراقه وأمواله وما يوضع فيها المتاع والزاد وقت السفر أو التنقل من مكان لآخر، كما تعني الحقائب الدبلوماسية، والقنصلية والوزارية الحاوية لمختلف الوثائق والطرود المعدة للاستعمال الرسمي.

وتعني عبارة «حقيبة وأمتعة» بشكل عام كل ما يحمله الشخص معه أو بحوزته في المنزل وغالباً ما تُستخدم العبارة للتحدث عن إجمالي ممتلكات الشخص، كما اشتهرت عبارة «يشد حقائبه» في الأدب لوصف من يستعد للسفر، و«يفرغ حقائبه» بمن يلقي عن أكتافه الهموم، وينصح الناس بملء حقائبهم بجواهر الحياة مشبهين الروح بالحقيبة التي تزداد قيمتها بما يملأها من علوم ومعارف.

لكن المعنى الآخر، هو ما يقصده أحد الشعراء في قصيدة يقول فيها: «وحدي في الليل، أفكر وأجد صعوبة في النوم لأني أستعيد الذكريات، سئمت من عدّ الخراف ولكن لديّ حقيبتي وأمتعتي التي تبقيني دافئاً». فالشاعر يعتقد أن الوحدة لا تجعله ينام لأنه مجبر على إعادة ذكرياته في ذهنه. ومع ذلك فهو مرتاح لأن لديه «حقيبته وأمتعته» التي تعني توفر احتياجاته المادية لاعتقاده أن ممتلكاته تضمن له كل راحة وحماية.

وفي كثير من الأحيان ينفق الناس مبالغ كبيرة لشراء حقائب ثمينة من أجل فكرة «أن يكونوا أشخاصاً مهمين» ولإثارة إعجاب الآخرين بما يحملونه فيصبحوا سعداء. ورغم أن معظم الناس يشعرون بالسعادة فعلاً عند شرائها لكن احتمالات استدامة السعادة على المدى الطويل ليست عالية، بل ويمكن وبمجرد حصولهم عليها أن تصبح الحقيبة بلا قيمة لكونها من «الموسم الماضي» وقد حان الوقت لشراء واحدة جديدة. ناهيك عن أنه لا يمكن لأحد الاقتناع بشراء حقيبة واحدة فقط وإلا سيكون الأمر أشبه بارتداء نفس الزي مرتين فيقعوا في فخ المادية لأنهم جهلوا أن السعادة الحقيقية تأتي من الحقائب العاطفية الداخلية، وشراء مزيد من الحقائب المادية مجرد صرخة من الأعماق تعلن فقدانهم الشعور بالأمان والثقة بالنفس.

ويستهدف مصطلح «الحقائب العاطفية» معاناة البعض من جروح عاطفية وندوب مفتوحة في أعماقهم يحاولون إخفاءها على أمل ألا يراها أحد. وفي الواقع، تؤثر التجارب السابقة في الحاضر ما يجعل مسمى «الحقائب العاطفية» استعارة دقيقة لوصف إخفاء المشكلات العاطفية السابقة التي لم يتم حلّها ونحملها معنا أينما ذهبنا كما نحمل قطع الأمتعة العادية التي تختلف في الشكل والحجم.

وتأتي أمتعتنا العاطفية أيضاً في أنواع وأشكال مختلفة مثل التعايش مع القلق أو الخوف من عدم تحقيق أمر ما، أو مع شعور مؤلم بشدة أو تجربة خسارة شخص أو شيء، كما هو مع حالة الاستياء التي تجعلنا نلقي اللوم دائماً على الآخرين والشعور بأن الحياة غير عادلة معنا لدرجة تجعلنا نعتقد بأننا لا نستحق الحب وعالقون في حزن دائم.

ويظل الصوت الداخلي يزعجنا باستمرار بقوله: إننا لسنا جيدين أو أذكياء بما يكفي لننجح أو نكون محبوبين. فيظل الشخص منا في حالة مستمرة من الحزن تمنعه من تحقيق أحلامه والمجازفة بالقيام بالأنشطة التي يستمتع بها حقاً، ما يجعله يعيش حياة ملأى بالأسى وفقدان الثقة بنفسه والقلق أو الاكتئاب.

ويمكن في بعض الأحيان أن تتحول رحلة البحث عن السعادة إلى كابوس، لأننا لا ندرك بأن الحب قد يأتي مع القليل من المعاناة لكننا نتعلق بالمشاعر الماضية التي ستعيق كل علاقاتنا في الحاضر وتضيق علينا طريق المستقبل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc869r7b

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"