عادي

إيمان يوسف... الأدب برحيق الفلسفة

00:39 صباحا
قراءة 5 دقائق

علاء الدين محمود
في هذه الزاوية، نحتفي بمجموعة من أبرز مبدعينا الذين قدموا لمسات أدبية جمالية وإمتاعية، أثرت الوجدان، وارتقت بذائقة القراء، منحونا زاداً عبّر عن إنجازات الوطن وتحولات المجتمع وهموم البشر، كانوا ذاكرتنا التي تؤرخ للمكان ومدونتنا التي عبرت بصدق وإخلاص عن آمالنا وأحلامنا، هم قناديلنا التي نسترشد بها في دروب الحياة.

«للأدب قوة حقيقية، بإمكانها تغيير مصائر الشعوب»، تلك الكلمات للكاتبة الإماراتية إيمان اليوسف، تؤكد إيمانها الكبير بالأدب، وفي الوقت نفسه انفتاحها على العالم والإنسانية في تجربتها الإبداعية، وربما ذلك ما جعلها تنجح خلال فترة بسيطة في تقديم نفسها بقوة في المشهد الثقافي والأدبي الإماراتي، فأصبحت من الأصوات النسوية البارزة محلياً، وذلك يشير لاجتهادها الكبير، فالكتابة بالنسبة إليها أمر بالغ الأهمية، فهي تقول عن فعل الكتابة وأثرها في حياتها: «طوال مسيرتي المهنية قدمت الكثير من التضحيات، لأتمكن من الاستمرار في الكتابة. وحين كنت أُخيّر بين الكتابة وأي شيء آخر في مختلف مراحل عمري، كانت الكتابة تفوز دائماً»، ولعل من الأشياء التي تميز اليوسف في مسيرتها الإبداعية، إلى جانب اللغة وتمكنها منها، هو مقدرتها على التقاط التفاصيل الصغيرة وتطويرها والارتقاء بها في سياق سردي.

بدايات

جاءت علاقة اليوسف مع الأدب والقراءة، بصورة مختلفة ربما عن كثيرين غيرها، فهي لم تنشأ في بيت يحتوي على مكتبة عامرة بكتب الأدب والمعرفة، بل اختارت هي القراءة وشغفت بها منذ وقت باكر، فكانت تقضي وقتاً طويلاً في المكتبة خارج البيت، وبدأت مباشرة وهي في سن صغيرة بكتابة القصص والروايات، إلاّ أنها بقيت ضمن «الخربشة» الطفولية، والبحث في التجربة الذاتية الإنسانية، والأسئلة الوجودية التي راودتها منذ الصغر، وعلى مقاعد الجامعة أثناء محاضرات الهندسة، وفترات الانتظار الطويلة في حصص المختبر والتدريب العملي، خلال ذلك وجدت اليوسفي نفسها تتخيل الشخصيات والتفاصيل والأحداث فتنسج القصص التي تعجب الناس، الأمر الذي شجعها على الاستمرار، فنشرت أول مجموعة قصصية لها والتي جاءت بعنوان «وجوه إنسان» عام 2012.

عالم مختلف

كانت القراءة هي الفعل الإبداعي المحبب لدى اليوسف في صغرها، وملاذها لصناعة عالم مواز من اختيارها، فتقول: «أحببت أن أصنع عالماً أغرق فيه كما العوالم المختلفة التي كانت تسحبني كحفرة «أليس في بلاد العجائب»، تلك الرواية التي قرأتها في المكتبة. أردت أن أصنع عالماً أصب فيه جنوني كله»، وربما ذلك الأمر يشير إلى شغفها بالقراءة وتنقلها في عوالم كثيرة وعديدة لمؤلفات وأدباء أثروا وجدانها وتجربتها الإبداعية. كانت اليوسف تقرأ كل شيء، وقد علّمتها تجربة الاطلاع أن «لا وجود لكتاب سيئ»، غير أن هناك كتّاباً نالوا إعجابها، سرداً وأسلوباً، مثل غادة السمان، وبثينة العيسى، ومسرحيات توفيق الحكيم، وعدد من الكتاب العرب والإماراتيين، كما أنها عانقت عيون الأدب الغربي والعالمي، فأعجبت بفرجينيا وولف، وأليف شافاك، وبصورة خاصة أيقوناتها «حليب أسود»، و«قواعد العشق الأربعين»، و«لقيطة إسطنبول»، وكذلك زيدي سميث وجوزيه ساراماجو، كما أحبت عبثية كامو، ووجودية سارتر، ومقدرة كونديرا على فلسفة كل شيء خاصة في «خفة الكائن التي لا تحتمل»، و«حياة في مكان آخر»، فكانت تتنقل بين هذه البساتين الإبداعية وتلتقط رحيقها لتعطر نصوصها بأريج خاص، ولتغذي تجربتها الأدبية في الكتابة، وتصقل تجربتها وترفد المكتبة بالمزيد من الكتابات الإبداعية على مستويي، القصة والرواية.

أسئلة

الكتابة بالنسبة إلى اليوسف فعل إبداعي له سحره وخصوصيته، فهي قد مرت بمراحل مختلفة في مسيرتها مع الكتابة، ففي البدء مارستها كنوع من البحث عن الذات، فحين بدأت القراءة في وقت باكر، كانت تبحث عن إجابات للكثير من الأسئلة التي لم يكن بإمكان الأسرة، أو المنظومة التعليمية الرد عليها، فقد كانت حينها طفلة شديدة الفضول، تسأل عن كل شيء طوال الوقت، فكان أن اكتشفت المكتبة العامة التي يفصلها عن بيتها شارعان فقط، لتمارس فيها فعل اكتشاف العالم والإنسان والوجود، وبقدر ما كانت الكتابة هي ملاذها، فقد كانت في الوقت نفسه رحلة إلى الذات، وربما ذلك الأمر يبدو واضحاً في مجموعاتها القصصية، إذ كانت القصة هي البداية في طريق الرحلة الإبداعية، منذ أولى مجموعاتها «وجوه إنسان»، والتي تبعتها ب«طائر في حوض الأسماك»، و«بيض عيون».

مشوار الرواية

ولئن أبدعت اليوسفي في مجال القصة القصيرة، فقد سلكت أيضاً طريق كتابة الرواية التي عالجت عبرها مواضيع متعددة بأسلوب فكري وفلسفي يعج بالأسئلة، وكانت ضربة البداية برواية «النافذة التي أبصرت»، عام 2014، وتتناول قضايا الصراع والهوية والوطن، والعديد من المواضيع التي تعالجها الكاتبة في أفق إنساني، وكانت روايتها الثانية «حارس الشمس»، وكتبتها ضمن برنامج دبي الدولي للكتابة برعاية «مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة»، وبعد صدورها بمدة قصيرة فازت بالمركز الأول في جائزة الإمارات للرواية عام 2016، وهي الرواية التي وجدت صدى جيداً، وتمت ترجمتها للعديد من اللغات، الأمر الذي يعني وصول الكاتبة إلى العالمية، وتدور أحداث الرواية في الموصل بالعراق قبل عام 2014، ويتابع القارئ في العمل، قصة بطل كل حلمه في الحياة أن يمتلك قطعة أرض يزرعها أزهاراً، وزهرة الشمس الشمس، حيث إن العمل يحرض على ضرورة التمسك بالحلم، أما روايتها الأخيرة فجاءت بعنوان «قيامة الآخرين»، وفيها يظهر التطور الكبير لأسلوبية الكاتبة وتوظيفها لمعارفها الفكرية، والعمل يحتشد بمجموعة من الأسئلة الفلسفية والوجودية، التي تدور حول الذات في علاقتها مع الآخر، والانتماء، والوعي الجمعي، وتعرض الرواية تلك القضايا الوجودية بأسلوب سرد مختلف ومشوق بطريقة تخفف من الثقل الفلسفي.

إبداعات

إلى ذلك، كتبت اليوسفي مؤلفات أخرى مثل «خبز وحبر»، يجمع نخبة من الكاتبات الإماراتيات في حوارات أدبية وشوقة ومتنوعة، وأيضاً تم تحويل قصتها القصيرة «أنا إبريق الشاي»، وهي ضمن مجموعتها القصصية «بيض عيون»، إلى عمل مسرحي يمثل الإمارات وعُرض في مهرجان الفن والأدب الخليجي الخامس، كما خاضت تجربة إبداعية مختلفة، فهي تعتبر أول كاتبة إماراتية تكتب فيلم إماراتياً نسائياً قصيراً باسم «غافة» من إخراج عائشة الزعابي، وعرض في مهرجان دبي السينمائي الدولي عام 2017.

إضاءة

ولدت الكاتبة إيمان اليوسف في عام 1987، وهي مدربة جرافولوجي ومهندسة كيميائية، درست بالجامعة الأمريكية في الشارقة، وحصلت على دبلوم في الدبلوماسية الثقافية في عام 2017 في برلين، وهي أيضاً عضو إداري في اتحاد كُتاب وأدباء الإمارات، وأول إماراتية اختارتها جامعة أيوا بالولايات المتحدة الأمريكية للحصول على الزمالة في الكتابة الإبداعية.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8s6up9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"