محطات التقاء

01:17 صباحا
قراءة دقيقتين

صارت صفحات التواصل الاجتماعي محطات التقاء ونقاش وجدل متبادل ومتواصل بين الناس، كلٌّ ينشئ صفحته ومن خلالها يسوّق لنفسه ولأفكاره ولعمله؛ ولعل الأكثر شيوعاً بين الناس في هذا الزمن هي صفحات الطهي أو بيع المأكولات وصفحات «المامز» حيث تلتقي الأمهات لتبادل الحديث حول شؤون أبنائهن والدراسة وإدارة المدرسة.. 
مجموعات يلتقي فيها عشاق الرياضة مثلاً أو زملاء المهنة الواحدة أو جيران المجمع السكني أو المدينة.. هي افتراضية لكنها صارت أكثر حيوية وفاعلية من اللقاءات الحقيقية والواقعية، إذ نادراً ما نلتقي بمجموعة كبيرة من الناس، بل نادراً ما نلتقي بالأصدقاء فما بالك بمن تجمعنا بهم أعمال أو مصالح فقط؟ 
اللقاءات الافتراضية تتحول إلى شكل من أشكال النميمة لدى البعض، لكنها مفيدة بكل الأحوال لأنها تسمح للمرء بالاستفادة من معلومات قد يطرحها أحدهم ويستفيد منها الجميع، تذكرنا بالعمل الجماعي الذي تحرص المدارس على تدريب الطلبة عليه منذ عامهم الأول في المدرسة، الكل يتعاون ومن يحتاج إلى طبيب يستنجد بالمجموعة، ومن يواجه مشكلة تربوية يلقى تفاعلاً واقتراحات وحلولاً ودعماً..
التواصل عبر صفحات الفيسبوك والواتساب وغيرهما تعتمده الجامعات أيضاً في تواصلها مع الطلبة، فبدل المراسلات عبر الإيميل، تقوم الكلية بنشر ما تريده على صفحتها على الفيسبوك فتصل الرسالة إلى كل الطلاب والمدرّسين. وفي المقابل، أصبح التواصل بين إدارة المدرسة وأولياء الأمور عبر الرسائل الإلكترونية، ولم يعد للاتصال الهاتفي مكان وغير مرحب به. 
سلبيات هذا التباعد الاجتماعي نعرفها، فهي تزيد من تعوّد الإنسان على الوحدة وربما تجعله في مأزق مع أبنائه حين يجبرهم على الاحتكاك بالناس والتحدث إليهم مباشرة، فهو ابن جيل يمارس الحياة الاجتماعية من خلف الشاشة، ويكتب أكثر مما يتكلم، ويسمع ويعلّق ويقرأ وهو صامت، يتواصل مع الغرباء من مختلف الجنسيات بكل جرأة في حين يتلعثم إذا اضطر لقول كلمتين أمام أشخاص يقابلهم لأول مرة ولا يعرفهم، بل حتى أمام من يعرفهم ولا يتواصل معهم إلا نادراً. 
التواصل الافتراضي هو العالم الحقيقي الذي نعيش فيه، البعض يختبئ خلفه، والبعض الآخر صار يحب الجلوس في المنزل أكثر، لأنه مكان عمله (أونلاين) والركن الذي يرى منه العالم، والبعض الثالث يعشق المقاهي أكثر من زمان، لأنها المكان الذي يحتسي فيه القهوة ويكون محاطاً بالكثير من الأشخاص الذين لا يعرفهم بينما يواصل عزلته مع عالمه الافتراضي من خلال هاتفه الصغير.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5dczzykh

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"