عادي
ماريا فيرلست تجسد تقاليد القرن الثامن عشر

«ويليام تاونسند»..النبل الإنجليزي وحيوية التفاصيل

23:48 مساء
قراءة 4 دقائق
14

الشارقة: عثمان حسن

تنحدر ماريا فيرلست (1680 – 1744) من عائلة فنية عريقة برزت في منتصف القرن القرن السابع عشر، حتى أواسط القرن ال 18، فهي ابنة الرسام هيرمان فيرلست (1641-1690)، وابنة أخت رسام بلاط ستيوارت الأكثر شهرة سيمون فيرلست (1644-1710).

ولدت في فيينا، لكنها عرفت لاحقاً كفنانة إنجليزية، فقد انتقلت مع عائلتها إلى لندن في سن الثالثة، بعد حصار الإمبراطورية العثمانية لفيينا، وبعد نجاح والدها، أصبحت لاحقاً تلميذته، وأبدت براعة استثنائية في الرسم، ورسخ اسمها بسرعة، وتعود أقدم لوحة مسجلة لها إلى عام 1695، وكانت في الرابعة عشرة من عمرها، وقيل إنها تصور ويليام وينتورث، إيرل سترافورد الثاني (1626-1695).

رسمت فيرلست العديد من الأعمال، بينها 13 صورة لجيمس بريدجز، دوق شاندوس الأول (1673-1744)، كما عرفت باهتمامها بفن المنمنمات، وبرعت في البورتريهات، وتشير سيرتها إلى أنها كانت معلمة لغات، وأتقنت الهولندية واللاتينية إلى جانب الإنجليزية.

في العقد الثاني من القرن ال 18، رسمت ماريا مناظر بخلفيات طبيعية منمقة، وكان تصويرها للزي الرسمي، سواء للرجال أو النساء، هو المفضل عندها، عدا عن اهتمامها بالموضوعات الأنثوية من خلال رسمها لنساء بموديلات وأقمشة راسخة في الزمن الذي عاشت فيه.

عملت كذلك مع السير جيمس ثورنهيل (1675 - 1734) المختص بالرسومات التاريخية، وتقليد الباروك الإيطالي، وكان مسؤولاً عن بعض المخططات الجدارية الضخمة.

تميز

تميزت لوحات فيرلست بأناقتها المذهلة، خاصة من ناحية استخدام الألوان، ورسم الملابس التي تظهر في رسوماتها مصقولة أو مشرقة، وبرعت كذلك في إبراز لوحاتها بحرفية دقيقة، خاصة في التكوين النهائي، ما يظهر بوضوح في واحدة من أشهر لوحاتها وهي بعنوان (النبيل ويليام تاونسند) الذي عاش بين (1702 - 1738) وكان عضواً بارزاً في البرلمان البريطاني حينذاك، وهو الابن الثالث لتشارلز تاونسند، الملقب بفيكونت الثاني، والفيكونت هو لقب استخدم في أوروبا القديمة لوصف طبقات متفاوتة من النبل، وغالباً ما ارتبط بالشؤون الإدارية، أو القضائية، أما والدة ويليام فهي «إليزابيث بيلهام»، التي عرفت بوصفها الزوجة الأولى لوالده تشارلز، الذي أنتخب في مجلس العموم عن جريت يارموث في 1723، وهو المقعد الذي شغله حتى وفاته.

اللوحة

استفادت ماريا في رسمها لهذه اللوحة من براعتها في فنون المنمنمات، وحرفة تشكيل التفاصيل، وحرصت على إظهار شخصياتها، كل حسب وظيفتها أو منصبها ومكانتها في السلك الحكومي، وفي معظم ما رسمته من سيدات وأطفال ونبلاء اشتهروا في تلك الحقبة، كانت حريصة على إبراز ملامح الوجه في الموديلات المرسومة، وإبراز المكانة الاجتماعية، ومن ذلك إبرازها لشكل وتفاصيل اللباس أو الزي، كما يظهر في تصويرها للنبيل ويليام تاونسند، الذي ظهر في هيئة شاب رصين، يرتدي وساماً أو رباطاً من رتبة فارس، وهو الرباط أو الوشاح الذي كان يميز رجال الدولة من أصول إنجليزية.. وهذا الوشاح يتكون في العادة من قطعة قماش مطرزة، توضع على الكتف، وغالباً ما تكون مصنوعة من قماش باذخ بالمخمل الأزرق، حيث يوشح به الفارس.

تفصيل

في السياق نفسه، كانت فيرلست، أمينة لتقاليد الرسم في القرن ال 18 حيث الفنون في تلك الفترة كانت معنية بتجسيد الجانب القيمي والأخلاقي، والحرص على الروابط العائلية، خاصة لدى الطبقات العليا، هنا، تبرز اللوحة كبرياء الأسرة الحاكمة، مما انعكس في كثير من تجارب فن البورتريه بحلول منتصف القرن ال 18، وتعتبر لوحة «النبيل ويليام» خير تجسيد لهذه المرحلة، فالشخصية المرسومة في الأغلب، هي شخصية مهذبة تحظى بالاحترام، ولديها مكانتها في الرتبة الاجتماعية ومظاهر اللباس الفاخر،فضلاً عن هيئة جلوس أو وقوف الشخصيات المرسومة، التي تعكس صور النبل والمفاهيم الأرستقراطية السائدة.

رمز

من الناحية الأسلوبية، يمكن اعتبار لوحات ماريا في رسم البورتريه ذات خصائص وميزات تراعي أصول الفن، حيث العمق والثراء اللوني والأناقة الحسية. وعلى هذا المنوال فقد رسمت ماريا العديد من الشخصيات والمناظر التي قدرها البعض بنحو 40 عملاً.. ومنها على سبيل المثال: بورتريه ليدي سميث، صورة لسيدة في ثوب أبيض فضي، بورتريه دوق مارلبورو، بورتريه لسيدة، ليدي ميدلتون، بورتريه لرجل، سيدة جالسة ترتدي فستاناً أصفر مع منظر طبيعي مشجر خلفها، صورة لسيدة وعزبة ريفية عن بعد، بورتريه لدوق تشاندوس في غرفة الملابس.. وغيرها..

خلفية

تزوج ويليام تاونسند من هنريتا، ابنة اللورد ويليام باوليت، في مايو 1725، وتوفي تاونسند في يناير/ كانون الثاني 1738 عن عمر يناهز 35 عاماً، أما زوجته فتوفيت عام 1755.

كان إصرار الرسامة على إظهار ويليام تاونسند في شبابه بالوشاح، كإشارة للمرتبة التي كان يحتلها في ذلك الوقت، حيث يربط الوشاح على الساق، ويرتد إلى الجزء العلوي، ويمتد إلى جهة يسار الفارس.

وهذه اللوحة، موجودة ضمن مجموعة تصور شقيقيه توماس وإليزابيث، ضمن مقتنيات خاصة بماريا فيرلست تضم صوراً لمشاهير النبلاء، والعائلات الحاكمة، من نساء وشباب وأطفال، ما بين الأعوام (1710 و1715)، وهي التي اكتسبت مهارة تصميم القماش باستلهام تنسيق المناظر الطبيعية، حيث كان لها استوديو خاص بهذه الرسومات.

ماريا واللغة

وفقاً لحكاية تصوّر براعتها في اللغات ونشرت في عام 1730، فقد كانت ماريا في مسرح دوري لين عندما سمعت بعض الجالسين في الجوار يمتدحونها باللغة الألمانية، لكنها كانت تردهم وتصحح ما يصدر عنهم من كلام، بلغة ألمانية رفيعة، وبعد شعورهم بالصدمة واصل الرجال التحدث، وهنا باللغة الإيطالية، فما كان من فيرلست إلا أن ردتهم مرة أخرى، وواصل الرجال الحديث ولكن باللغة اللاتينية، وتكرر الأمر حين ردت ماريا عليهم باللاتينية، وقالت لأحدهم: هل تعتقد أن لديك الحق في التحدث باللغة اللاتينية أكثر من النساء، ألا يكفي أنه يتم إبعاد جنسنا الأنثوي بالفعل عن الحوارات العامة عدا عن إبعاد النساء عن اللغة أيضاً؟

تأثر الرجال كثيراً لدرجة أنهم استفسروا عن مهنتها، وجاؤوا لزيارتها في اليوم التالي حاملين الهدايا وطلبوا رسم صورهم.

الصورة
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8rruep

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"