حيّت الحشود الملك تشارلز الثالث أمس الجمعة في ويلز وهي المحطة الختامية لجولته في أقاليم المملكة المتحدة، قبل ثلاثة أيام من الجنازة المهيبة التي ستقام لوالدته إليزابيث الثانية ومع وقف طابور إلقاء نظرة أخيرة على جثمانها موقتاً بعد أن امتد عدة أميال. وفي كارديف، حيث يلتقي تشارلز مسؤول ويلز الجمهوري مارك دراكفورد، تم التهديد بتنظيم احتجاجات بعد أن سارع الملك الجديد إلى إعلان ابنه وليام أميراً لويلز. لكن دراكفورد قال إن الأسئلة المتعلقة بمستقبل النظام الملكي ستكون هامشية.
وهتف حشد كبير «حفظ الله الملك» بينما صافح تشارلز الجمهور بعد قداس متعدد الأديان في كاتدرائية لانداف في كارديف. ثم حضر تشارلز جلسة للبرلمان المحلي لتلقي تعازي السياسيين بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية في 8 أيلول/ سبتمبر عن عمر يناهز 96 عاماً. وفي خطاب ألقاه باللغتين الإنجليزية والويلزية، تعهد أن يقتدي بوالدته التي كانت مثالًا «لنكران الذات» طوال سنوات حكمها. وقال تشارلز «طوال كل سنوات جلوسها على العرش، كانت أرض ويلز أقرب ما يكون إلى قلب والدتي. أعلم أنها كانت تشعر بالفخر البالغ بإنجازاتكم العظيمة الكثيرة، وقد شعرت أيضاً أنها معكم بقوة في أوقات المِحن». وتابع «أنهض بمهامي الجديدة وأنا أشعر بعرفان بالغ لشرف أني خدمت هنا بصفتي أميرا لويلز. ذلك اللقب الذي حملته طويلاً... أنقله الآن لابني وليام». وقال إن «حب وليام لهذا الجزء من بلاده كبر خلال السنوات التي قضاها هو نفسه هنا» بعد أن تدرب كطيار لطائرة هليكوبتر تابعة لسلاح الجو الملكي في أنغليسي.
قال متحدث باسم العائلة المالكة إن أمير ويلز الجديد، الأمير وليام، وشقيقه الأمير هاري وأحفاد الملكة إليزابيث الستة الآخرين سيقفون صمتا أمام نعشها مساء اليوم السبت. وفي تعديل للبروتوكول، سيُسمح لكل من الأمير هاري وعمه الأمير آندرو بارتداء الزي العسكري في أثناء الوقفة الصامتة أمام نعش الملكة حسبما قال مسؤولون بالعائلة المالكة. ووقف آندرو دقائق الصمت حداداً مع إخوته مساء الجمعة. وعلى الرغم من كونهما من قدامى المحاربين، ظهر الاثنان في زي رسمي مدني خلال المراسم إذ فقدا ألقابهما العسكرية الفخرية عند التخلي عن واجباتهما الملكية العامة.
ومن المرجح أن الجنازة واحدة من أكبر المراسم التي تشهدها العاصمة البريطانية على الإطلاق، ويشارك فيها آلاف العسكريين. وتفقد وليام، نجل تشارلز وأمير ويلز الجديد، اليوم الجمعة القوات القادمة من نيوزيلندا وكندا وأستراليا إلى بريطانيا للمشاركة في فعاليات الجنازة الرسمية. ورافقته زوجته كيت، أميرة ويلز الجديدة. وسبق أن حملت اللقب الأميرة ديانا، والدة وليام التي رحلت في حادث سيارة عام 1997. وسار وليام يوم الأربعاء جنباً إلى جنب مع أبيه تشارلز وشقيقه الأصغر هاري في موكب خلف عربة مدفع تحمل نعش الملكة من قصر بكنجهام إلى قصر وستمنستر، في مشهد يعيد إلى الأذهان سير الأخوين خلف نعش الأميرة ديانا قبل 25 عاماً حينما كانا في سنوات الصبا. وفي حديثه هو وزوجته كيت مع المعزين، قال وليام «مسيرة أمس كانت تحدياً... أحيت بعض الذكريات».
ومع تدفق عشرات الآلاف إلى لندن قبل إقامة جنازة الملكة إليزابيث يوم الاثنين، اكتمل طابور امتد أميالاً يضم معزّين يقفون بانتظار رؤية النعش، وأوقفت السلطات دخولهم إلى قاعة وستمنستر مؤقتاً اليوم الجمعة بعدما تضخمت الأعداد. وانضم أناس من جميع الأعمار ومختلف الأطياف إلى طابور إلقاء نظرة الوداع على الملكة الراحلة الذي يمتد بطول الضفة الجنوبية لنهر التيمز ثم يعبر فوق النهر إلى قاعة وستمنستر بالبرلمان.
لكن بحلول الظهر، أصبح الطابور طويلاً جداً في مظهر ينمّ عن حب واحترام الشعب للملكة الراحلة التي توفيت في اسكتلندا في الثامن من سبتمبر/ أيلول عن 96 عاماً وامتد جلوسها على العرش 70 عاماً. وقالت وزارة الثقافة البريطانية «سيتوقف الدخول لمدة ست ساعات على الأقل... من فضلكم لا تحاولوا الانضمام إلى الطابور إلى أن يُعاد فتحه». ونبّهت الوزارة إلى أن فترة الانتظار في الطابور قد تصل إلى 12ساعة. ومن المتوقع أن يمر نحو 750 ألف شخص إجمالاً بنعش الملكة.
وقالت هياسينث أباه التي كانت تقف في الطابور وهي من سكان لندن «لا أشعر بركبتي إطلاقاً ولا بساقيّ... لكن لا بأس. معظم الناس كانوا ودودين وقضينا وقتاً ممتعاً». وذكرت نعومي براون (29 عاماً)، وهي أيضاً من سكان لندن، أنها انتظرت قرابة 11 ساعة بعد انضمامها إلى الطابور مساء أمس الخميس بعد العمل. وقالت لرويترز وهي تقترب من مقدمة طابور «أحسست فقط أن هذا حدث لن أشارك فيه مرة أخرى. أكنّ احتراماً كبيراً للملكة، احترام لم يهتز ولو مرة.«كانت رمزاً رائعاً لبلادنا. نشعر وكأننا فقدنا فردا من الأسرة».
والنعش مسجّى في قاعة وستمنستر القديمة حيث يقف جنود ومسؤولون آخرون في صمت حوله بينما يمر عليه الناس الذين انتظروا طويلاً في الطابور لتوديع الملكة. واغرورقت كثير من الأعين بالدموع وقدم البعض التحية أو أحنى رأسه. وقدمت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أردرن إلى لندن لحضور الجنازة، وكانت بين من زاروا قاعة وستمنستر، وانحنت وهي تمر أمام النعش.