كوريا الشمالية والهول النووي

00:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

تلبدت أجواء السياسة في الشرق الأقصى بالغيوم، وبدا أن الطريق نحو الحرب النووية بات مفتوحاً على مصراعيه، ذلك أن ترتيبات المنتصرين، في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لا تزال تقف حجراً عثرة أمام تحقيق استقرار مستدام في ذلك الجزء من العالم، ورغم أن المشكلة تظهر بشكل واضح في التحدي الذي تبديه كوريا الشمالية، لكن الوجود العسكري الأمريكي المباشر في اليابان وكوريا الجنوبية، والمساعي الأمريكية لتطويق الصين، وفرض سياسة الأمر الواقع على كل الأطراف الفاعلة، كل ذلك يجعل من الصعب إيجاد الحلول التي تقود إلى سلام شامل في المنطقة. ويوم الجمعة 9 سبتمبر، ضربت كوريا الشمالية بعرض الحائط، كل القرارات الدولية التي صدرت عن مجلس الأمن ضدها بسبب برنامجها النووي، وأعلن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون أن بلاده «دولة نووية» وتعهد ب «عدم التخلي أبداً» عن أسلحة كوريا الشمالية النووية.

وقد مهد القرار الطريق لشنّ ضربات نووية وقائية في حالة تعرض البلاد لهجوم نووي أو هجوم بأسلحة تقليدية من قبل قوى معادية.

ومن دون شك لم تكن كوريا الشمالية لتجرؤ على إعلان هذا القرار المرعب، لو لم يفتح الغرب الحرب على كل من روسيا والصين. فقد كانت هاتان الدولتان تعملان على التخفيف من «تطرف» كوريا، وقد وافقتا في الماضي على فرض العقوبات الدولية عليها عبر القرار رقم 2397 الذي صدر عام 2017، وشدد العقوبات المفروضة عليها. وقرر تطبيق تدابير العقوبات المحددة في قراره رقم 1718. وقرر منع الإمداد أو البيع أو النقل المباشر أو غير المباشر للنفط الخام إلا بموافقة لجنة العقوبات مسبقاً أو على أساس كل حالة منفردة. وقرر أيضاً حظر إمداد أو بيع أو نقل جميع المنتجات البترولية المكررة إلى كوريا الشمالية.

لكن هذا القرار سرعان ما أبطل مفعوله بعد أن اتخذت روسيا والصين حق النقض مؤخراً ضد مشروع القرار الأمريكي لتشديد العقوبات على كوريا الشمالية بعد اختبارها صواريخ باليستية. وكان هذا الموقف الروسي الصيني المزدوج رسالة إلى دول التحالف الغربي بأن التفاهمات معها حول البؤر الساخنة في العالم قد انتهت، وبدأ عصر كسر الإرادات.

الصراع في كوريا الشمالية، الذي تتشابك فيه مصالح دول كبرى، هي الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، لا يمكن أن ينتهي من دون توافق الدول الثلاث على صيغة ترضيها وتحفظ مصالحها، كما أن كوريا الشمالية المعنية الأساسية بالصراع، لا تستطيع أن تتخلى عن سلاحها الذي أنفقت على بنائه كل ثروتها على مدى عقود من الزمن، من دون ضمانات حقيقية لها بأن الولايات المتحدة لن تنقلب عليها في المستقبل، وتوجه لها ضربة عسكرية. ولا شك أن لدى كوريا الشمالية قدرة على إلحاق دمار بأجزاء كبيرة من العالم نظراً لما تمتلكه من أسلحة نووية متطورة، وقد سبق لها أن اختبرت 3 قنابل ذرية تعمل بالانشطار النووي. ولديها قنابل هيدروجينية تعمل بالاندماج ما ينتج عنه انفجار أكبر بكثير. كما تملك وسائل إيصال تلك الأسلحة إلى أهدافها.

وباعتراف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، فلدى كوريا الشمالية أحد عشر ألف مصنع عسكري تحت الأرض، وكانت هذه الدولة قد استفادت كثيراً من الاتحاد السوفييتي السابق ومن الصين الشعبية، حيث قدمت لها هاتان الدولتان كل التكنولوجيا الضرورية لصناعة الصواريخ والأقمار الاصطناعية كما أمدتاها بمفاعل ذري من أجل منع كوريا الجنوبية من التفكير باجتياحها وضمّها إليها. ولا تزال خطوط وقف النار هي الحدود بين الكوريتين ولايزال الموقف المعقد قابلاً للاشتعال في كل لحظة.

لذلك يعد الصراع في شبه الجزيرة الكورية من أخطر الصراعات في العالم، بسبب حيازة الدولتين المتصارعتين ومن يقف خلفهما، مختلف أنواع الأسلحة الخطرة؛ وعلى رأسها الصواريخ والقنابل النووية. وتبدو المحنة الحقيقية في أن هذا الشعب ليس له علاقة بكل ما جرى له، بل هو ضحية لجشع القوى العالمية العظمى التي تقاسمت العالم بعد الحرب العالمية الثانية في ذلك الصراع الإيديولوجي الهائل الذي كان بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، فقد أدى انهيار الامبراطورية اليابانية إلى وقوع كوريا بين فكي هاتين القوتين.

رغم كل الاتفاقيات والعهود الدولية، لا تزال بعض الدول تعاني سطوة المنتصرين الذين يحركون الصراعات في هذا المكان أو ذاك في العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/46mp5b3n

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"